تونس: ملاحقة المدرسين المميزين مهمة مضنية لأولياء التلاميذ

الدروس الخصوصية أبرز مطالبهم

داخل إحدى الفصول الدراسية في مدرسة تونسية («الشرق الأوسط»)
TT

في مطلع كل سنة دراسية، تتسابق العائلات التونسية للظفر بأحسن المدرسين وأقدرهم على التدريس لضمان أفضل الظروف التعليمية، وبالتالي فرص النجاح لأبنائهم المقبلين على سنة دراسية جديدة.

مشهد هذه الظاهرة يتمثل في تكدس قوافل من أولياء التلاميذ أمام مكاتب مديري المدارس الابتدائية تحديدا، كما لم تسلم بدورها المعاهد الثانوية من توافد أهالي الطلبة. وجميع مطالب هؤلاء العائلات، تنصب في هدف واحد... هو نقل أولادها من صف إلى آخر، وذلك من أجل ملاحقة بعض المدرسين المقتدرين المعروفين بصيت تربوي وعلمي مميز. وفي المقابل، غالبا ما تحير هذه الطلبات الجهاز الإداري وتضع أفراده في موقف محرج أمام السلك التدريسي، ولذا قد يستجيب أحيانا، وأحيانا أخرى يوصد الأبواب ويغض الطرف عن تلك الطلبات التي لا يرى لها مبررا.

وإلى جانب تهافت أولياء التلاميذ وراء المدرسين من أجل أن يكون لأولادهم مقاعد في صفوفهم، ثمة فريق آخر يلاحق المدرسين لغاية الدروس الخصوصية التي - بحسب اعتقادهم - تزيد من فرص النجاح بمعدلات مرتفعة، ومن ثم تؤهل الطلبة لتحقيق النجاح بتفوق في الامتحانات الوطنية التي تجرى نهاية كل سنة دراسية.

من ناحية أخرى، لا تبالي بعض العائلات بنقل أولادها من قسم دراسي إلى آخر، بل تركز جهودها في ضمان من سيعطي الدروس الخصوصية لأولادها؛ إذ إن هناك من يؤمنون بأن من الأفضل أن لا يدرس أبناءهم في الصف الدراسي مدرس مميز، وذلك باعتبار أن وزارة التربية تمنع أولئك المدرسين من إعطاء دروس خصوصية للتلاميذ الذين يدرسونهم إلا في إطار المؤسسة التربوية، ولقاء أجور لا تتجاوز حدود 15 دينارا في الشهر، في حين أن الأجور خارج أسوار المؤسسات التعليمية أضعاف مضاعفة، وقد تصل إلى حدود المائة دينار للتلميذ الواحد شهريا.

في هذا الشأن قال المنجي بن جلول، وهو مدير مدرسة ابتدائية، لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «إن محاورة الأولياء ضرورية في بداية كل سنة دراسية حتى لا تتحول طلبات نقل الأولاد، التي عادة ما تكون مسائل استثنائية، إلى حقوق يتوجب تنفيذها دون مقاييس محددة».

وأضاف: «بعض الحالات الإنسانية المرتبطة بمسائل مثل توقيت عمل الأولياء وبعد المسافة عن المدرسة، حالات يمكن الاستجابة لها»، مقرا في الوقت نفسه بوجود ظاهرة مطاردة أفضل المدرسين، لكنه رأى «أنها ليست بالظاهرة المستفحلة بكثرة... ولكنها قد تفسر بحرص الأولياء على ضمان أفضل النتائج لأبنائهم، وهذا حق مشروع لهم»، على حد تعبيره.

وتابع بن جلول موضحا: «إن عملية توزيع سلك التدريس عملية تراعى فيها مستويات التلاميذ ومعدلاتهم، وغالبا ما يقع توجيه المعلمين الأكثر تجربة على أقسام الدراسة الأصعب، كي يستفاد بالحد الأقصى من غزير تجربتهم، ونضمن بدورنا تغييرا في أحوال التلاميذ الضعاف أحيانا».

من جهة أخرى، برر أحد الآباء نقل ابنه من صف دراسي إلى آخر بناء على طلب من ولده، لكن هذه المرة ليس لمطاردة أحسن المدرسين، وإنما للانضمام مع أصدقائه إلى مما يشبه «شلة الأحباب»، بحسب وصفه. وقال حمدة الدريدي في حوار معه: «لقد اضطررت إلى مجاراته كي لا يؤثر ذلك على مستواه الدراسي، وهذا على الرغم من أنني لم أكن مقتنعا بالأمر. وبالفعل، حاولت مع أحد الأساتذة الذين أعرفهم من قبل أن يتوسط لابني مع مدير المعهد في جو من السرية حتى لا أفتح أبوابا إضافية أمام مجموعة أخرى من أصدقاء ولدي ممن قد يجول في فكرهم مسألة الانتقال أيضا».

أما بالنسبة للأساتذة أو المدرسين، فتطرق هشام دسيم، الذي يعمل أستاذا في مرحلة التعليم الثانوي، إلى الصعوبات التي ترافق بداية السنة الدراسية، معتبرا أن المجهود الذي يقدمه الأساتذة لتلامذتهم لا يقابل في معظم الأحيان بالحماسة نفسها من قبل التلاميذ. وأوضح «أن المدرسين يشعرون بالإحباط حيال المنظومة التربوية التي تعلم الشباب، ومن ثم تدفع به إلى عالم المجهول»، على حد تعبيره، في إشارة إلى بطالة أصحاب الشهادات الجامعية. ثم أضاف: «أنا أتمنى مع مطلع كل سنة دراسية أن أقوم بنفسي بنقل بعض التلاميذ من صفي الدراسي إلى قسم آخر، وذلك لأن البعض منهم مشاغب إلى حد الإزعاج، ولقد مكنتهم الآيديولوجية التربوية الحالية وترسانة حقوق الطفل وحقوق الإنسان من التمتع بحماية قانونية، وبالتالي، فهم لا يتعرضون للضرب، وهذا بصراحة واقع ما يعسر المأمورية».

في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن عدد التلاميذ في تونس يبلغ نحو المليوني تلميذ، يتوزعون ما بين المستويات الابتدائية والثانوية، وهو ما يمثل قرابة 20 في المائة من العدد الإجمالي لسكان تونس. ويبلغ عدد المؤسسات التي تديرها وزارة التربية التونسية نحو 4350 مدرسة ابتدائية و1475 مدرسة إعدادية ومعهدا ثانويا، في حين يقدر عدد المدرسين في المؤسسات الابتدائية بـ58833 مدرسا.