«شاي الجمر».. حكاية سعودية لا يعرفها إلا المسافرون على طريق الهدا بالطائف

تتعدد نكهاته.. وطريقة تحضيره تجتذب محبيه

شاي الهدا المعد على الجمر يجتذب المسافرين («الشرق الأوسط»)
TT

على «طريق الهدا» الذي يربط مدينة الطائف، أشهر مصايف المملكة العربية السعودية، بمكة المكرمة، تفاصيل حكاية لا يعرفها إلا المسافرون على ذلك الطريق الجبلي في غرب المملكة. وعلى الرغم من خطورته، يجمع رواة القصة على أنه مهما قيل عنه تبقى متعة التجريب أصدق.

ومع أصداء أغنية «يا مسافر على الطايف.. طريق الهدا» للفنان الكبير أبو بكر سالم بالفقيه، وقبل أن يستسلم المسافر للمنحدرات، تراه يبحث عن موقف جانبي ولو لبضع دقائق للتزود من أباريق الشاي الموضوعة على «الكوانين» (جمع «كانون»)، واحتساء كأس من «شاي الهدا» المعد على الجمر.

في قمة عقبة الهدا ثمة أكشاك لبيع الفواكه والمرطبات تتوزع على جانبي الطريق. وعلى مقربة منها تنتصب عدة «كوانين» يتصاعد منها الدخان جراء احتراق حطب السمر الذي يعد عليه الشاي. وهناك، يتوقف المسافرون على جانب الطريق للحصول على مشروبهم المفضل الذي يعد أمامهم في جو من هدوء وطول البال، ويكتسب طعما ألذ بنتيجة اختلاطه برائحة الدخان.

وفي محاولة لرصد أجواء محبي الشاي على طريق الهدا، التقت «الشرق الأوسط» مجموعة من المسافرين الذين استوقفتهم أباريق الشاي على الجمر، وكان من ضمنهم علي الغامدي، الذي عبر عن إعجابه بجودة طعم الشاي، وقال لنا: «شاي الهدا محطة أساسية في الطريق». وتابع الغامدي، الذي كان في صحبة عدد من زملائه متجهين إلى مدينة جدة: «يصبح مذاق الشاي أجمل عند إعداده على الجمر، وهذا ما يدفع الجميع للتوقف هنا»، قبل أن يستدرك: «وهذا طبعا بالإضافة إلى فرصة التمتع بأجواء الهدا الرائعة».

ونظرا إلى أن «طريق الهدا» يمتد في مناطق مرتفعة، فإنه يتحلى إبان فصل الصيف ببرودة مميزة ومنعشة. وهذه البرودة تستوقف المسافرين لبضع دقائق لكي يستمتعوا بجاذبيتي لطف المناخ وجمال المناظر التي ترسمها المنحدرات السحيقة لجبل الهدا. وبالطبع، لا يكتمل المشهد إلا بالتلذذ بشرب الشاي الساخن في الهواء الطلق. والعادة أن معظم المسافرين يطلبون كوبا آخر لرحلة العودة وصولا إلى منطقة الكر ثم وادي نعمان، ليتجه بعد ذلك لمكة المكرمة أو مدينة جدة.

وبينما كان عبد الله المالكي يحتسي الشاي الخاص به على مهل، تحدث أمامنا عن طبيعة المكان الجميلة التي تغري أي مسافر بالتوقف هنا حتى ولو لبضع دقائق. ثم يتابع مبتسما: «إن التوقف لشرب الشاي هنا - أي في قمة الهدا - والتجول في المكان والاستمتاع بخليط الروائح المتصاعدة من أباريق الشاي ومن (كوانين) الجمر محطة محسوبة من زمن الرحلة».

وقبل أن يغادر المالكي ساحة أعداد الشاي متجها إلى سيارته، قال لنا إنه في كل زيارة يقوم بها إلى مدينة الطائف يتوقف هنا للاستمتاع بالمذاق الخاص للشاي، «الذي يعد على الطريقة القديمة»، على حد تعبيره.

وفي مكان قريب، وقف راجح الزلفي أمام أحد «الكوانين»، وقد انهمك بتلبية طلبات الزبائن والسكب من كل إبريق حسب الطلب. فلمن يهمه الأمر يقدم الشاي هنا بعدة نكهات، منها شاي طائفي وشاي بالنعناع وشاي بالحبق وشاي بالدوش وشاي بالعطرة وشاي بالشيع وشاي أخضر وشاي سادة. وعلى حد رأي الزلفي: «لكل مذاقه ولكل ما يفضله من المشروب الساخن».

لكن في المقابل، ذكر لنا الزلفي أن «أكثرية الطلبات تنصب على الشاي السادة، لكونه يحتفظ بمذاقه الأصلي ممزوجا برائحة الجمر التي تعطيه مذاقه الفريد» حسب وصفه. وبعدما لبى الزلفي طلب أحد الزبائن الواقفين أمامه، قال: «شاي الجمر عادة قديمة للمتنزهين، وانتشر بائعوه في الهدا نظرا لإقبال الناس عليه».

وحاليا، يمضي الزلفي جل وقته أمام «الكانون» الذي يضع عليه قرابة 6 أباريق تغلي على مهل، ومقابل عمله يحصل على دخل يومي يصل إلى 250 ريالا في أيام الأسبوع، ويرتفع الإيراد في نهاية الأسبوع والإجازات إلى 600 ريال.

أما عن طريقة تحضير الشاي، فأوضح شارحا أنه يتبع «الطرق الصحية في إعداد الشاي مستخدما الماء المعقم»، وأردف: «وأحضر منكهات الشاي من حبق ونعناع ودوش وعطرة وشيع بشكل يومي لكي تظل محتفظ بنضارتها وبمذاقها الطبيعي الطيب».