انتفاضة عاطفية تغزو شوارع القاهرة

ترفع شعار «الشباب والحب إيد واحدة»

TT

هل يتجمل الحب أو يثور وينتفض ويصرخ ويتألم ويحتج ويتظاهر ويطالب بالعدل والمساواة والديمقراطية؟ كل هذه المشاعر المتأججة أصبحت بمثابة ظاهرة لافتة في شوارع وميادين وحدائق العاصمة المصرية القاهرة.

فبعد أن جف رحيق ثورة الشباب الذي انفجر في ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وخرجوا صفر اليدين من معادلات السلطة والنفوذ، لم يجدوا سوى أسوار الجامعات والحدائق ومحطات المترو ليرفعوا عليها شعارهم الجديد «الشباب والحب إيد واحدة» وهو شعار يذكرهم بثورتهم، وتترادف معه شعارات أخرى من قبيل: «في كل شارع وكل حارة أحمد بيحب سارة.. يا رب حقق منايا والسنة الجاية تكون معايا».

هكذا كتب شاب يدعى أحمد على سور محطة المترو المقابل لبوابة جامعة القاهرة مستلهما عادل إمام في فيلم «مرجان أحمد مرجان»، معبرا عن حبه لسارة الذي استحوذ على عقله ودفعه للتصريح به بهذه الطريقة.

وعلى ما يبدو أيضا أن أحمد لم يكن الأول الذي يعبر عن حبه بهذه الطريقة، فقد ألهم فيلم «الوسادة الخالية» لعبد الحليم حافظ ولبنى عبد العزيز الكثير من الشباب الذين دأبوا على تقليده في رسم قلب يخترقه سهم «كيوبيد» وعلى جانبيه يُكتب اسما الحبيبين أو الأحرف الأولى منهما.

الطريف في الأمر أنه على الرغم من تطور وسائل الاتصال وانتشار الهواتف الجوالة، فإن شوارع القاهرة شهدت قبل أيام حادثا بدا غريبا للكثيرين، فقد حاول زوج الاعتذار لزوجته بلافتة كبيرة واستعان بفرقة موسيقية عزفت لها مقطوعات موسيقية رومانسية ولم تملك الزوجة التي أطلت من الشرفة لترى زوجها وهو يفعل ذلك سوى البكاء ومسامحته، وبرر الزوج ذلك بأنه أهان زوجته أمام الناس ولم يجد غير هذه الطريقة كي يعتذر بها لها.

لقد كانت شوارع القاهرة، أو بالأحرى، جدران العمارات والمصالح الحكومية وأسوار المترو والحافلات العامة في الآونة الأخيرة ميدانا للتعبير عن الرأي والتوجهات السياسية بشكل كبير في أعقاب الثورة، حيث استغل شباب الثورة هذه الأماكن للتحذير من عودة رموز النظام السابق (الفلول) وعمد آخرون إلى التخويف من «الإخوان» وكيل الاتهامات لهم، واستغلها آخرون لترويج بعض الأفكار الدينية والدعوة للحجاب.

وسط هذا الصراع أصبحت هذه الجدران والأسوار ساحة يعبر فيها البعض من الشباب عن مشاعره وحبه علانية بكتابة الشعر أو بكتابة اسم محبوبته في بلد تسيطر عليه العادات والتقاليد ويعتبر التصريح باسم المحبوبة نوعا من التشهير قد يعرض صاحبه للحرمان من الزواج بمحبوبته أو الوقوع في مشاكل كثيرة.

يؤيد مصطفى يحيى، الذي يقطن في قرية على مشارف القاهرة، هذه الفكرة ويقول: «إن هذه وسيلة جيدة للتعبير عن الحب لكنها ربما تكون مستساغة في بعض المناطق الراقية التي لا تجد غضاضة في مثل هذه الأمور، لكنها قد تثير المشكلات إذا ما كتبت في بعض المناطق الشعبية أو الريف؛ لأن ذلك قد يتسبب في مشكلات بين العائلات إذا تبينت شخصية الحبيب والحبيبة».

على النقيض من ذلك رفضت نرمين سمير، مترجمة، هذا من النوع من التعبير عن الحب ورأت أنه غير مقبول؛ «فالحب لا يكمن في مجرد كلمات تكتب على الحوائط أو تقال باللسان، لكن الحب أسمى من ذلك بكثير؛ فهو شعور قوي يكتنف جوانح المرء ويكون أفضل تعبير عنه بالمعاملة الحانية، أو في وردة يهديها إلى المحبوبة».

أما مي، فتصف هذه الوسيلة بأنها نوع من التلوث البصري، فالكتابة على الحوائط سواء أكانت في سبيل الحب أم الرأي السياسي عمل مرفوض بيئيا، وتتفق معها أماني عبد العاطي التي أشارت إلى أن التعبير عن الحب يمكن أن يكون برسالة بريدية أو حتى رسالة نصية أو لقاء أو أي وسيلة أخرى تبقى سرا بين الشخصين إذا كانت العاطفة صادقة.

ولا يخلو هذا النوع من المغالاة في الحب من مخاطر قد تدفع المحبين للانتحار، خاصة مع اشتداد وطأة الضغوط والظروف الاقتصادية والاجتماعية، ففي واقعة أخرى لم يجد الشاب الذي تربطه قصة حب بفتاة غير محاولة الانتحار بسبب الظروف الاقتصادية.. كان الشاب يسير مع اثنين من أصدقائه على كوبري أعلى النيل ليخرجوه من حالة الإحباط ولكنه في غفلة منهم قفز من على الكوبري في المياه لكن أنقذته شرطة المسطحات المائية.

الطريف أن بعض هؤلاء المحبين قد يفشلون حتى في الانتحار كما هو الحال في الحب، فمحمد ابن السادسة والعشرين واجه ما يمكن أن نطلق عليه «سوء الحظ السعيد» عندما فشل في الانتحار للمرة الحادية عشرة حتى الآن، وكانت جميعها بسبب الحب، ويروي محمد قصته مع الانتحار قائلا: «الفكرة بدأت عندي وعمري 12 سنة، عندما أحببت فتاة تدعى (سماح)، وفجأة تركتني فشعرت بالألم فألقيت بنفسي من الطابق الأول ولم أمت، بعدها عادت العلاقة مرة ثانية لعدة سنوات ولما تركتني قطعت شرايين يدي وتم نقلي للمستشفى وإنقاذي، ومرت الأيام.. وما إن يحدث لي شيء كنت أسارع بالانتحار، ونفسي أموت حتى أستريح، لكن في كل مرة لا أعرف ماذا يحدث. وصل بي الحال إلى أن صعدت للطابق العاشر وألقيت بنفسي، ولم يحدث لي سوى خدوش بسيطة نتيجة الارتطام بالإسفلت.. قطعت شرايين يدي أكثر من خمس مرات، وفي كل مرة يتم نقلي للمستشفى وبعد إسعافي (أقوم زي الفل).. (مش عارف أعمل إيه علشان أموت)، اشتريت سم فئران وشربته في كوب عصير ولم يحدث لي شيء، وقفت أمام القطار في منطقة سكنية بالشرابية لكي يدهسني وأستريح من الدنيا، لكن للأسف الشديد القطار تعطل أثناء دخوله المحطة والناس أنقذوني».

لكن على الرغم من هذا كله فإن أحمد لا يزال يحلم بأن يتزوج سارة، وربما من أجل ذلك سيكتب الكثير من اللافتات في أماكن أخرى غير محطة المترو، يعبر فيها عن حبه جدا لها وينتظر اللحظة الحاسمة في حياته.