مستشفى بروك البيطري في الأقصر.. دور لافت في خدمة الحيوان

بريطانية كانت وراء تأسيسه في مصر بعد الحرب العالمية الأولى

خيول تستريح تحت مظلات مواقف أنشأها لها المستشفى بالأقصر («الشرق الأوسط»)
TT

في مدينة الأقصر جنوب مصر، التي تعد مقصدا سياحيا عالميا، تجوب على مدار اليوم عربات الحنطور التي تجرها الخيول أرجاء المدينة، نظرا لما تحفل به من آثار ما زالت شاهدا على عظمة الحضارة الفرعونية، وعبقرية قدماء المصريين في شتى فنون الحياة.

تكثر العربات هناك باعتبارها وسيلة مواصلات يفضلها السياح بالدرجة الأولى خلال تنقلاتهم. لكن مَن يقف وراء عشرات من الخيول ويرعاهم ويرفق بحالهم بعد عناء يوم طويل؟

إنه «مستشفى بروك الخيري للحيوان بالأقصر»، الذي يرفع شعار «الرفق بالحيوان فضيلة إنسانية»، ويترجمه عمليا كل يوم من خلال تقديم العلاج والاعتناء بكثير من الحيوانات التي تزخر بها المنطقة.

ما يستحق الذكر أن هذا المستشفى البيطري الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ستينات القرن الماضي، لم ينته دوره بعد مرور أكثر من 46 سنة، بل واصل «مستشفى بروك بالأقصر» دوره الخدمي الثمين طوال هذه المدة، وكان أحدث إنجازاته مواقف مجهّزة لعربات الحنطور التي تخدم قطاع السياحة.

في الواقع تتنوع الخدمات التي يقدمها المستشفى، منها: الخدمات العلاجية والبيطرية والعمليات الجراحية للخيول المصابة، والتوعية بالأمراض التي تصيب الخيول. ولا يقتصر الأمر على الدور العلاجي فحسب، بل قدّم مستشفى بروك أخيرا وجبات غذائية وإعانات مادية لأصحاب الخيول مساهمة منه في معالجة الركود السياحي، عقب «ثورة 25 يناير».

ومن جهة أخرى، ساهم مستشفى بروك بالتعاون مع محافظة الأقصر في إنشاء مواقف انتظار مجهّزة بالقرب من المناطق الأثرية، ضمت 3 أماكن انتظار؛ الأول بجوار معبد الكرنك ويتسع لـ55 عربة حنطور، والثاني بجوار معبد الأقصر ويتسع لـ29 حنطورا، والثالث بجوار معبد الأقصر ويتسع لـ50 حنطورا.

ولكن كيف كانت البداية؟

تاريخيا، كانت زيارة السيدة دوروثي بروك، وهي سيدة بريطانية، للقاهرة عام 1930 السبب الرئيسي في تأسيس مستشفيات بروك للعناية بالحيوانات العاملة، فقد شاهدت السيدة البريطانية بأم العين ما وصلت إليه حالة خيول سلاح الخيّالة التي شاركت في الحرب العالمية الأولى، بعدما استغنى عنها الجيش البريطاني، فقام ببيعها في أسواق القاهرة.

على الفور، دفعتها المشاهد التي آلمتها كثيرا للعودة إلى بريطانيا، وهناك ناشدت آنذاك صحيفة الـ«مورنينغ بوست» (1772 - 1937)، التي استحوذت عليها صحيفة «ديلي تلغراف» فيما بعد، بمساعدتها على إنقاذ هذه الحيوانات. وبالفعل، استجابت بعض الهيئات لطلبها واستطاعت جمع ما يوازي اليوم 20 ألف جنيه إسترليني، ومن ثم عادت بها للقاهرة، وبعد نحو 3 سنوات من العمل المتواصل، استطاعت دوروثي بروك شراء 5000 من هذه الحيوانات، وباشرت رعايتها والتخلص من المريض منها بطريقة إنسانية رحيمة.

وفي السنة الرابعة لوجودها - أي عام 1934 – أقامت بروك «مستشفى عجائز خيول الحرب» في منطقة زين العابدين لعلاج الخيول والبغال والحمير التي تعمل في القاهرة. وتحوّل هذا العنوان فيما بعد ليتخذ اسم «بروك» تكريما لمن كانت وراء نشأته.

ثم توالى بعد ذلك افتتاح فروع لمستشفيات بروك، فأسس فرع الإسكندرية عام1961، ثم فرع الأقصر عام 1966، وبعدها فرع إدفو عام 1992، ثم تبعه فرع أسوان عام 1998، وأخيرا فرع مرسى مطروح عام 2000.

إلى ذلك، ذاع صيت مستشفى بروك ودوره اللافت في خدمة الحيوانات، وانتشرت فروعه في عدد من الدول الأخرى التي تعيش فيها خيول عاملة، مثل الأردن والهند وباكستان وكينيا وجنوب أفريقيا وأفغانستان وغواتيمالا، كما غدت مبرة السيدة بروك الأكبر من نوعها في العالم في مجال رعاية الخيول والبغال والحمير، إذ يعمل فيها على الأرض أكثر من 800 شخص.

وإلى جانب الكادر الطبي من أطباء وممرضين بيطريين، يضم المستشفى صانعي السروج والحدوات والمشرفين على الإسطبلات التي تحجز فيها الخيول المريضة.

وعن دور المستشفى غير العلاجي، قال الدكتور مصطفى سيد نوبي، الذي يعمل طبيبا بيطريا في المستشفى لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «تقيم المستشفى ندوات في المدارس والقرى ودورات تدريبية لمربي الخيول، يقدّم خلالها النصح والإرشاد لأصحاب ومربي الخيول سواءً داخل المستشفى أو خارجها، وذلك عن طريق تخصيص جولات توعية تجوب القرى والمدن».

وتابع: «وتسعى المستشفى أيضا إلى محاربة طرق العلاج الخاطئة للخيول التي تعتمد على الكي بالنار، وهذا بالإضافة إلى دور المستشفى الرائد لحماية الخيول من مرض أنفلونزا الخيول عام 2008».

والتقينا بأحد سائقي الحناطير، جلال علي، الذي بادر بالقول: «إن لمستشفى بروك فضلا كبيرا على أصحاب عربات الحنطور بالأقصر، ففي حين تجاهلتنا الحكومة في ظل حالة الركود السياحي التي تعاني منها البلاد، قام مستشفى بروك بصرف وجبات غذائية لنا»، مشيرا إلى أن تكلفة إطعام الخيل في اليوم الواحد تتعدى 30 جنيها، هذا بالإضافة إلى الخدمات العلاجية التي يقدمها لهم المستشفى باستمرار.

يبقى أن نشير أخيرا إلى أن محافظة الأقصر من أكثر المحافظات المصرية استخداما لعربات الحنطور لما تمثله هذه العربات من متعة خاصة للسياح المقبلين إلى المناطق الأثرية والسياحية بالمحافظة، ويصل عددها إلى 400 عربة مرخّصة، بينما تعمل أكثر من 800 عربة من دون ترخيص.