«الأحمدية».. أول مدرسة نظامية.. تلامذتها من الأعيان ومعلموها من الأحساء والزبير

طابع بريدي.. واحتفالية بمرور 100 عام على إنشائها في دبي

جانب من مدرسة الأحمدية في دبي («الشرق الأوسط»)
TT

«الأحمدية» إحدى أربع مدارس قديمة في دبي، منها: «المدرسة السالمية» و«مدرسة السعادة» و«مدرسة الفلاح». أنشئت في عام 1912، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى بانيها الشيخ أحمد بن دلموك، حيث إنها تعد أول مدرسة نظامية في تاريخ دبي. وبعد أن تدهور مبنى المدرسة بوشرت عمليات الترميم بين عامي 1993 و1995 بكلفة قدرت بـ3 ملايين درهم، لتعيد بهاء البناء القديم، من خلال استخدام المواد والأساليب القديمة في الترميم. وافتتح المبنى في عام 2000 ليصبح متحفا يصور تاريخ التعليم في إمارة دبي، ويضم عروضا متنوعة، منها: التعليم في الإمارات، تاريخ المدرسة، الوثائق التاريخية، أدوات الكتابة.

تقع المدرسة في قلب منطقة الرأس في بر ديرة القديمة. كان لموقعها أهمية كبيرة وسط حي سكني، قريب من المركز التجاري القديم، مما جعلها قبلة أبناء الأعيان والعامة لتحصيل العلم والمعرفة. وعمل فيها نخبة من خيرة المدرسين الذين استقدموا من خارج الإمارات. وتلقى نحو 300 طالب تعليمهم في هذه المدرسة، وتم في عام 1920 استقدام الشيخ بن دلموك، مؤسس المدرسة، المدرسين من الأحساء في المملكة العربية السعودية، منهم الشيخ عبد العزيز بن حمد آل مبارك وأبناؤه عبد الله وعبد اللطيف، إذ تولوا تدريس تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية. وكذلك نخبة من المدرسين من منطقة الزبير في العراق، منهم الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب الوهيب، والشيخ أحمد العرفج، والشيخ ناصر المنصور، والشيخ يوسف الجامع.

وكانت الدراسة في السنوات الأولى مجانية، وفي مراحل لاحقة كان أبناء الأغنياء يدفعون رسوما رمزية تتراوح بين ثلاث وخمس روبيات، أما غير المقتدرين فكان الشيخ بن دلموك يسدد الرسوم عنهم. وشهدت المدرسة نكسات استمرت نحو خمس سنوات من 1932 إلى 1937 بسبب الركود الاقتصادي الناتج عن تدهور تجارة اللؤلؤ الطبيعي في دبي، وعلى إثرها توقفت الدراسة في المدرسة، أما في عام 1956 فتحولت الدراسة فيها من شبه نظامية إلى مجال التعليم النظامي، وانتقلت إلى مبناها الجديد، وآلت إدارة المبنى إلى دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية في عام 1963. واستمرت في عطائها حتى هذا التاريخ، ثم انتقلت إلى المبنى الجديد نظرا لضيق المكان وضعف المبنى.

نذكر بعض العلماء الذين درسوا الطلبة في هذه المدرسة، منهم: الشيخ عبد العزيز بن حمد آل مبارك، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز آل مبارك، والشيخ عبد الرحمن بن حافظ، والشيخ محمد نور سيف، والشيخ عبد الرحيم المريد،، والشيخ محمد أحمد بو ملحة، والشيخ أحمد بن حمد الشيباني، والعلامة السيد محمد الشنقيطي، وغيرهم. ومن أشهر تلامذتها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حين دخلها عام 1955 ليتلقى فيها تعليمه الأساسي. أما مناهجها الأولى فكانت تعتمد على أصول الإسلام مثل القرآن والحديث والسيرة والتوحيد. واعتبرت نواة التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن ثم تطورت مناهجها تدريجيا لتشمل اللغات والأدب والعلوم والتاريخ والجغرافيا والرياضيات، وأصبحت مدرسة حديثة في مقاييس الخمسينات من القرن الماضي.

وقد شغلت «المدرسة الأحمدية» مساحة تبلغ نحو 528 مترا مربعا، حيث تتكون من مبنى كبير ذي طابقين، الدور الأول والأرضي منه يشتمل على حجرات كثيرة تحيط بالمدرسة من جهاتها الأربع. وأمام هذه الحجر رواق.. يتوسط فراغ مربع (حوش) كان يستعمل باحة لطابور الصباح، وفي ناحية الباب من جهة اليمين حجرة مطبخ للمدرسة. في بادئ الأمر تم تشييد المدرسة طابقا أرضيا، يتوسطها فناء داخلي وحول الفناء ليوان ثم 11 غرفة دراسية، بالإضافة إلى المطبخ وغرفة شرب الماء، ثم أضيف سلم مؤدٍّ إلى غرفة مبيت المدرسين التي بنيت بعد ذلك في الطابق العلوي وبرج للهواء (بارجيل)، وبعد ذلك أضيفت المناطق المظللة المفتوحة لاستيعاب الزيادة في عدد الطلاب.

تميزت ببوابتها الخشبية المصنوعة من خشب الساج (التيك)، وتتوزع على أبواب غرفها زخارف وكتابات من الجص، ولها مدخل واسع، ذو بوابة خشبية سميكة وكبيرة، تبرز على واجهتها مسامير من النحاس اللماع، يزيد من فخامة مظهرها ومتانتها.

وبمناسبة الاحتفال بذكرى إنشائها، قام قطاع المواقع التراثية والآثار في دائرة السياحة والتسويق في دبي بإحياء ذكرى تأسيس المدرسة، وتكريم الطلبة الذين درسوا فيها، وأكد مدير القطاع عبد الله المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى لإشراك المؤسسات الحكومية في ترسيخ قيم هذه المدرسة التي وطدت أسس التعليم في الدولة، وأصبحت جسرا بين القديم والحديث، باعتبارها رسالة علمية للأجيال الجديدة، وموقعا تراثيا ورمزيا هاما. أكملت (المدرسة الأحمدية) هذا العام 100 عام من عمرها على اعتبارها إحدى أقدم المدارس في الإمارة، وتخرج من مقاعدها جيل أسهم في تأسيس الدولة الإماراتية من أبناء الرعيل الأول، الذين أسهموا في صنع أمجاد إمارة دبي، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وبمرور هذه الأعوام تحولت هذه المدرسة إلى أيقونة علمية تتألق عبر التاريخ».