العيد في تونس: أسعار جنونية وعائلات تقرر الاستغناء عن الأضحية

الحكومة جلبت 160 ألف خروف لتخفيض الأسعار وسد النقص في السوق

فلاحون يعرضون خرفانهم للبيع استعدادا لعيد الاضحى المبارك («الشرق الأوسط»)
TT

جلس عثمان إدريس في مقهى المحطة، واضعا رأسه بين يديه وعيناه غائرتان تنظران إلى قطعان من الخرفان يعرضها أصحابها للبيع.

«الشرق الأوسط» سألت عثمان إدريس (54 سنة) عن سبب احتسائه لكل تلك الكميات من القهوة والشاي، بينما الساعة تشير إلى الرابعة والنصف بعد الظهر «أحيانا أشرب أكثر مع تدخيني لعلبتي سجائر، فالضغط والتوتر يدفعك لكل ذلك».

قبل أن نواصل الحديث معه، ونسأله عن العيد وخروف العيد، أجرينا عملية حسابية صغيرة لاستهلاكه اليومي من القهوة والدخان، فوجدناها تجاوزت الـ300 دينار تونسي (150 يورو).

وعلق الباحث الاجتماعي رمضان الورتاني على الحالة بالقول: «أسعار الخرفان تتراوح بين 350 و700 دينار تونسي، وأغلب الأسر لا تقدر على شراء خروف العيد لا سيما تلك الأسر التي أبتلي أربابها بالتدخين وغيره من صنوف الإدمان». وشدد على أن «حاجة الكثير من التونسيين نابعة من سوء التصرف في الموارد المالية المتاحة، وليس افتقاد المال في حد ذاته» لكنه أشار إلى أن «25% من التونسيين يعيشون تحت خط الفقر، وهناك من يعجز عن توفير الحاجات الأساسية فضلا عن الكماليات».

عثمان إدريس يعمل نجارا، ولديه 4 أبناء بعضهم تخرج، لكنهم لا يعملون، وقد قام إدريس بفتح مقهى إنترنت لابنه في مدينة المنستير الساحلية، والذي تخرج كمهندس حاسوب (كومبيوتر) «كل ما أملكه فتحت به مقهى إنترنت، لابني في المنستير، وقد تداينت من أجل إقامة هذا المشروع، حيث لا توجد فرص عمل للخريجين، ولذلك ليس لدي ثمن خروف العيد» وتابع: «أخي يعمل مقاول بناء وكان يساعدني ماديا، ومنذ فترة توقف عن مساعدتي ولا أريد أن أطلب منه مالا، فربما يعيش هو الآخر أزمة مالية، وأنا لا أريد إحراجه» وأردف «في العام الماضي اشتريت خروفا بـ250 دينارا، حيث راعاني صاحب زريبة أغنام، وهذا الموسم أخبرني بأنه ليس لديه خرفان للبيع وبالتالي لن يكون لأسرتي خروف هذا الموسم».

غلاء أسعار الخرفان كما يقول الفلاحون والتجار يعود إلى عدة أسباب من بينها «غلاء الأعلاف، والأدوية، وتكاليف رعاية الخرفان من رعاة ومرعى إضافة لقلة العرض وكثرة الطلب». ويروي عبد الباري الذي يعمل سائق سيارة أجرة، وتمكن من راتب زهيد من شراء 7 خرفان صغيرة قام بتسمينها لبيعها كأضاح. «لدي صديق لديه 15 خروفا، أعطوه عن كل خروف 520 دينارا».

ليست أسواق الماشية هي المكان الوحيد لعرض خرفان العيد، بل وجدنا الكثير من الفلاحين والتجار يعرضون بضاعتهم على قارعات الطرق، حيث تتراوح الأسعار بين 350 و450 دينارا وقل أن يجد المرء أسعارا أرفع من ذلك وقال الفلاح الشاب عاطف الذويبي «لدينا 180 خروفا بعنا خلال أسبوع واحد 20 خروفا، والأسعار بين 350 و450 دينارا» ولم ينف وجود خرفان بأسعار مرتفعة «الخروف الذي يصل إلى 500 و600 و700 دينار يكون مثل العجل، ومن يريد أن يضحي ليس مجبورا على شراء خروف بسعر 700 دينار أو أكثر».

من المثير للاهتمام أن يضيق الفلاحون ببعضهم البعض، عندما يتزاحمون على رقعة صغيرة من الأرض. ورد علي الظاهري على هذا الاستغراب بالقول: «نحن في أجواء عيد ونفحات عيد الأضحى المبارك تغشى الجميع، والأرزاق مكتوبة، ولن تذهب خبزتك (يعني الزرق) لغيرك حتى وإن لم تكن موجودا». وواصل قائلا: «أمران لا تفكر فيهما أبدا متى ستموت وماذا ستكسب» وأشار إلى عدد من الفلاحين «كثير من هؤلاء لم يكن يملك شيئا، لذلك يعرفون معنى الفقر، ولو جاء إلينا فقير لبعنا له بسعر التكلفة، فنحن لسنا جشعين كما يروجون عنا في وسائل الإعلام».

وحول عدم قدرة الناس على شراء خروف العيد، أجاب مبتسما «يقول الأولون اللي ما يخبيش لدهره العصا لظهره (بمعنى من لا يقتصد ويدخر يستحق الضرب بالعصا) أعرف الكثير ممن تعنيهم يضيعون أموالهم فيما يضرهم وكأنه قدر مقدور».

أحزاب سياسية ومنظمات من المجتمع المدني، طلبوا من المفتي الإفتاء بجواز التخلي عن الأضحية هذا العام، فيما اتهمت الحكومة أطرافا لم تسمها بأنها تسيس القضايا الاجتماعية من أجل أهداف انتخابية، وأنها لا تستغرب على حد ما جاء على لسان رئيس الوزراء حمادي الجبالي أن يطلق حزب على نفسه، حزب علوش (خروف) العيد.. كما تتهم بعض الجهات التجار بشراء الخرفان من الفلاحين لبيعها بالسعر الذي يروق لهم مما دفع الحكومة لاستيراد عدد كبير من الخرفان منها 20 ألف خروف من رومانيا، للتحكم في الأسعار حتى لا تتعدى سقف 350 دينارا للخروف الواحد.