«كمشتك».. أول تحرك ميداني من نوعه في لبنان

يسهم في توعية المواطنين بمخالفات السير التي يرتكبونها عبر ملصق تنبيهي

TT

كلمة «كَمَشتك» باللهجة العامية اللبنانية هي الكلمة الموازية لـ«قفشتك» بالعامية المصرية، أو «ضبطتك» بالعربية الفصحى. وعادة ما يستخدمها اللبناني عندما يفاجئ شخصا ما في مكان أو في موقف غير منتظر منه، متلبسا بالجرم المشهود.

هذه الكلمة، بمعناها الشامل، استخدمها شباب لبنانيون لتكون عنوان حملة توعية نظموها ضد مخالفات السير - أو المرور - التي يرتكبها سائقو السيارات على الطرقات، ولتشكل رسالة غير مباشرة تنذر المخالف بالخطأ الذي يرتكبه، ولكن من دون تغريمه مبلغا معينا كعقوبة.

الفكرة خطرت لثلاثة شبان تحمسوا لتحميل اللبناني مسؤولية تصرفاته الخاطئة، وقصدوا منها الخروج بما يشبه محضر ضبط سير وهميا يحرره بحق السائقين المخالفين فريق هذا التحرك من خلال وضع ملصق «كَمَشتك» (kamashtak) على السيارة المخالفة.

ويحصل ذلك بصفة خاصة مع السيارات التي تُركَن على رصيف المشاة مثلا أو وسط الطريق أو بشكل صف ثان، وغيرها من المخالفات التي تعوق حركة السير في مدينة بيروت وتؤدي إلى زحمة خانقة.

ماهر حاج ديب، أحد الناشطين في هذا التجمع، قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقته إن «الهدف من هذا التحرك يكمن في الإشارة إلى أن لكل فرد الحق في حماية القانون.. وله الحق أيضا في التعبير عن انزعاجه من المخالفين بوسيلة تنبيه سلسة ومسالمة وغير مؤذية تؤازر عمل رجال الدرك الذين يبذلون جهدا كبيرا لتسهيل عمليات السير على الطرقات وهم مشكورون على ذلك».

وأضاف ماهر «خلافا لمحاضر الضبط الصادرة عن قوى الأمن الداخلي التي تغرم المخالف بدفع مبلغ من المال حسب المخالفة المرتكبة فإن ملصق (كمشتك) جاء لينبه المواطن إلى مخالفته قبل الوقوع في قبضة رجل الأمن. وهذا أمر يسهم في التخفيف من زحمة السير من ناحية ومن تكبد السائق خسائر مالية من ناحية ثانية، وذلك لأن كوننا نفعله في تنبيهنا السائق لا ينطوي على أي إجراء قانوني يتعلق بالدولة اللبنانية». وتابع أن «(كمشتك) سلطت الضوء على ضرورة تطبيق النظام واحترامه بأسلوب غير عدواني لا يزعج المواطن بل يترك ابتسامة عريضة على ثغره».

السبب المباشر الذي كان وراء ولادة هذه الحملة كان شعور ماهر حاج ديب بالانزعاج عندما شاهد ذات يوم سيارة وزير لبناني مركونة في موقف مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة غير آبه بالضرر الذي تسبب فيه. وفي مرة أخرى عندما كادت سيارة تدهس سيدة كانت تدفع أمامها عربة طفلها على الرصيف، وذلك عندما حاول سائق السيارة ركنها على الرصيف (!).. عندها تفتق ذهنه عن مبادرة لإطلاق حملة توعية على طريقة «كمشتك».

وعن ردود فعل الناس عندما وجدوا ملصقات «كمشتك» على زجاج سياراتهم، قال ماهر «لقد واجهنا ردود فعل متنوعة، سلبية وإيجابية معا، فبعضهم تعاون معنا بشكل مباشر وشجعنا على نشاطنا، في حين فوجئ البعض الآخر واتخذوا موقفا سلبيا.. وسألونا من أين لنا الحق في القيام بذلك!». وأردف «..لكن المواطنين في النهاية كانوا يتفهمون هدفنا عندما كنا نشرح لهم سبب الحملة فيبتسمون لنا أو يشكروننا.. مرددين عبارات من نوع (يعطيكم العافية)..».

من جهة ثانية، فإن الملصق (الاستيكرز) المستخدم في الحملة «مدروس بشكل دقيق» كما ذكر لنا ماهر حاج ديب «ولقد صنع من مواد بلاستيكية عالية الجودة لا تتسبب حتى في خدش لزجاج السيارة، ومن أصل 50000 ملصق طبع لهذه الغاية استُعمل منها 20000 حتى الآن، وكلها لصقت على السيارات في مناطق وأحياء عدة من بيروت بينها شارع الحمراء وكورنيش المزرعة ومنطقة الأسواق ومنطقة الأشرفية، مرورا بالعرض ما بين منطقتي قصقص والصيفي ووصولا إلى الخط البحري والجميزة».

من جانبه، قال مازن حاج ديب إن أهمية هذه الحملة تكمن في إمكانية عرض هذه المخالفات على طريقة الـ«آبلود» (upload) على الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة (kamashtak.group)، مما يسمح بوجود صلة تواصل بين المواطنين والتجمع القائم على الحملة. غير أن اللافت هو أنه، حتى اليوم، لم يحصل هذا التجمع على رخصة رسمية لممارسة مهامه على الطرقات اللبنانية، بل ولا حتى أخذ «علما وخبرا بذلك». ووصف مازن هذا الوضع بـ«الآني»، متابعا أن «التجمع في انتظار الرد من محافظة بيروت.. إلا أن ذلك لا يمنعه من ممارسة مهمته التي لا تخل بالأمن ولا تسبب أذى لأحد»، ذلك أنه من المتوقع بدء التجمع التحرك لإطلاق حملته رسميا في وقت قريب، وأن يكون للمواطن دور مباشر فيها بحيث يستطيع من يشاء من اللبنانيين الانضمام إليه والمساهمة في الحملة التي استطاعت حتى الآن خفض عدد مخالفات السير، ولو بنسبة قليلة، وأن تلفت الأنظار إلى مسألة حيوية تواجه عموم المواطنين والزوار».

ورأى مازن أن «المستقبل سيبرهن، من دون شك، عن مدى تمتع اللبناني بمستوى وعي مرتفع، ولم تقتصر مهمة التحرك على التنبيه إلى مخالفات السير، بل ستتطور أيضا لتشمل مراقبة عمل البلديات وكل الجمعيات المعنية بتقديم الخدمات للمواطن، خصوصا أن التجمع كفريق عامل على الأرض لمس معاناة الموطن اللبناني عن قرب، من دون أي تفرقة ولأي بيئة أو كتلة سياسية أو مجتمع انتمى».