«القطان».. أول مصنع لصناعة «السجاد اليدوي» يقاوم انقراض المهنة في مصر

بدأ عمله عام 1930.. وصنف مؤخرا ضمن قائمة الآثار

المصنع يحتفظ بشكله القديم بعد تصنيفه ضمن قائمة الآثار المصرية والقبطية («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن صناعة السجاد اليدوي في مصر صارت جزءا من مهنة في طريقها نحو الانقراض كغيرها من المهن والحرف التقليدية، خاصة مع حلول السجاد الصناعي محل السجاد اليدوي على نطاق واسع، إلا أن مصنع «القطان» لا يزال يحمل على عاتقه مهمة الحفاظ على هذه الصناعة، حيث ينتج السجاد يدويا منذ تأسيسه في عام 1930 وحتى وقتنا الحالي.

تأسس هذا المصنع العتيق على يد أحد المصريين ويدعى أحمد القطان، بعد أن تقاعد من وظيفته الحكومية في مجال التربية والتعليم، حيث اشترى قصرا قديما بمنطقة مصر القديمة وعكف على تجديده وترميمه، ثم افتتحه كمصنع للسجاد اليدوي، ولم يكتف بذلك بل جعل منه مدرسة تقوم على تدريب الشباب المصري على حرفة نسج السجاد، ليتم توارث هذا المصنع بعد ذلك جيلا بعد جيل.

يقول المالك الحالي للمصنع محمد القطان لـ«الشرق الأوسط»: «صناعة السجاد اليدوي من المهن المنقرضة في مصر، فلا يوجد كتاب يهتم بتعليم صناعة السجاد اليدوي، أو مكان يهتم بنقل أصولها، فهي مهنة تورث ولا تدرس، بمعنى أن العامل بها لا بد أن يكتسبها في سن صغيرة، لكونها تحتاج إلى كثير من المهارة والتوافق العضلي والعصبي».

ويضيف الحفيد: «ندرة العمالة في مجال السجاد اليدوي بشكل عام في مصر دفعتني للتعاون مع جمعيات خيرية في منطقة إسطبل عنتر بمنطقة زهراء مصر القديمة لإقامة ورش تدريبية لتعليم أصول صناعة السجاد اليدوي، يطلق عليها نشاط (الفصل الواحد)، والتي تجمع متدربين وفقا لسنهم يتلقون فيها تدريبات عملية لإنتاج السجاد». ويستطرد قائلا: «التحدي الذي يواجه المتدربين على صناعة السجاد اليدوي هو ضرورة نجاحهم في إخراج منتج جيد، فلا يجوز الخطأ في صناعة السجاد اليدوي، لأن إنتاجه يحتاج للكثير من الوقت والمال وهذا يتطلب الكثير من المجهود والتركيز من المتدربين».

ويضيف في نبرة يملأها الحماس: «صناعة السجاد اليدوي ليست يسيرة، فمع كل خيط ينسج يتم نسج حياة كاملة لأكثر من خمسة أشخاص، فصناعة السجاد اليدوي قد تستغرق شهورا طويلة وربما سنوات، كما أنه يتكلف الكثير من الأموال سواء في الخامات أو الصباغة أو الصناعة». ويؤكد أنه لا يتعامل مع جهات بعينها، فالمصنع معروف لدى زبائنه الذين يأتون لشراء ما يلزمهم من السجاد، موضحا أن المصنع يحاول قدر الإمكان إنتاج السجاد حسب الطلب نظرا للوقت والمجهود المطلوبين في عمله.

ويلفت القطان إلى أن ندرة العمالة في مجال السجاد اليدوي ليست هي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الحرفة، بل إن الطبقة التي تقدر قيمة هذه النوعية من السجاد ومدى أهميتها كحرفة وفن منفرد بذاته في طريقها للاختفاء هي الأخرى، «فالظروف المادية لمعظم الطبقات والفئات في الوقت الراهن لا تساعدهم على شراء السجاد اليدوي عالي التكلفة».

ويشير الحفيد إلى أن «القطان» يعد مصنعا متكاملا لصنع السجاد اليدوي في مصر، حيث يوجد به غرفة لرسم تصميمات السجاد، وأخرى لصباغة الخيوط بمختلف التدريجات اللونية، وغرف للعمل على الأنوال، وأيضا غرف مخصصة لغسيل السجاد، وغيرها للاحتفاظ بالمنتجات النهائية، التي يأتي الناس لشرائها مباشرة من المصنع.

ويستطرد قائلا: «العديد من الأحداث مرت علينا منذ نشأة المصنع، حيث شهد ظروف الحرب العالمية الأولى، وثورة يوليو 1952 وما تبعها من القوانين الاشتراكية، وحرب أكتوبر 1973 وما تبعها من انفتاح اقتصادي، وغيرها من المتغيرات التي استطعنا التعامل معها والاستمرار بعدها حتى الآن»، مبينا أن وزارة الثقافة المصرية قامت قبل عدة أعوام بتسجيل المصنع ضمن قائمة الآثار المصرية والقبطية، مما لا يسمح بإجراء أي تعديل في شكله.

من الحكايات التي لا ينساها القطان الحفيد والتي رواها له القطان الجد، أن ملك مصر فاروق الأول طلب سجادة يدوية من المصنع على هيئة عملة ورقية فئة 5 جنيهات، وتم وقتها عمل السجادة المطلوبة ثلاث مرات، ففي المرة الأولى لم تظهر التدريجات اللونية في السجادة بالشكل المطلوب، وفي المرة الثانية تغير محافظ البنك المركزي مما تطلب إعادة صنع السجادة، وفي المرة الثالثة قامت ثورة يوليو التي أطاحت بالملكية ولم يأخذ أيا منها.

ويتابع: «قمنا أيضا بعمل سجادة طلبتها وزارة الصناعة وقت بناء السد العالي في ستينات القرن الماضي، كما قمنا بإمداد العديد من الفنادق والصالات الكبيرة في المؤسسات الحكومية بالسجاد اللازم لها، مثل فندق (كتراكت - أسوان) و(شيراتون)، ومجلس الوزراء وقت تجديده، ومعظم سفارات مصر في الخارج، وكذلك بعض السفارات الموجودة في القاهرة».

وينهي القطان حديثه قائلا: «أحب مجال السجاد اليدوي، لذا سأسعى جاهدا من خلال المصنع للحفاظ عليه من الاندثار وتدريب العمالة اللازمة لتوريث هذه الصناعة، حتى لا تصبح مجرد جزء من التراث لا وجود له، كما أسعى دائما لإحداث تطويرات في تصميمات السجاد ونوعية الخامات المستخدمة بما يواكب العصر الحالي».