قصر الأمير يوسف كمال.. تحفة معمارية مهملة على نيل صعيد مصر

صممه أحد ألمع مهندسي القصور الملكية في العالم واستغرق بناؤه 13 سنة

صورة خارجية للقصر تحيط به الأشجار والنباتات من كل الاتجاهات («الشرق الأوسط»)
TT

على الجانب الغربي لنهر النيل عند مدينة نجع حمادي، التابعة لمحافظة قنا في صعيد مصر، يقع أحد أجمل القصور المعمارية التي شيدها الأمير يوسف كمال، أحد أبناء الأسرة العلوية (أسرة محمد علي) الحاكمة في مصر. ويمثل هذا القصر، الذي استغرق بناؤه نحو 13 سنة، طرازا معماريا فريدا تتآلف فيه وتتكامل الطرز المعمارية الإسلامية والأوروبية الحديثة التي تأثر بها الأمير أثناء فترة دراسته في أوروبا.

بوشر العمل في تشييد القصر عام 1908، وأشرف على تصميمه وبنائه آنذاك مهندس القصور أنطونيو لاشياك، الذي يعد من أبرز المهندسين المعماريين الذين قدموا إلى مصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومن ثم، سجل «قصر نجع حمادي» أثرا إسلاميا عام ‏1988، إلا أنه ليس القصر الوحيد الذي بناه وامتلكه الأمير يوسف كمال، ذلك أنه شيد بخلافه عدة قصور منها ما بقي حتى الآن مثل قصره في حي المطرية بالقاهرة، ومنها ما اندثر مثل قصر «المريس» في مدينة أرمنت بمحافظة الأقصر في الصعيد.

ويعود نسب الأمير يوسف كمال إلى محمد علي الكبير، حاكم مصر الشهير، عبر ابنه القائد العسكري المحنك إبراهيم باشا، فهو يوسف كمال بن الأمير أحمد كمال بن الأمير أحمد رفعت بن إبراهيم باشا بن محمد علي. ولقد ولد عام 1882، وتدرج في الوظائف والمناصب حتى استطاع بمرسوم من السلطان العثماني أن يصبح وريثا في حكم مصر، وحظي الأمير بعناية واهتمام من الأسرة، فأوفد في بعثة تعليمية إلى أوروبا استطاع خلالها الإلمام بثقافة عالية وحس جمالي راق، جعله يهتم بالإبداع والفنون ويرعاها.

وفي المقابل، عرف عن يوسف كمال تواضعه وحبه للشعب، وبذا ما كان مثل بعض أمراء الأسرة العلوية الذين سعوا إلى تمكين سلطاتهم واتسموا بالتعالي على أبناء الشعب، بل كان محبوبا ومقربا من أبناء الشعب لما قام به من أعمال اجتماعية وخدمية باقية حتى يومنا هذا. وما يذكر عنه أنه أسهم في تنمية عدد كبير من القرى المصرية، وأدخل عددا من التقنيات الزراعية الحديثة في منطقة نجع حمادي، وأسس مدرسة للفنون الجميلة في درب الجماميز عام 1908 (أصبحت كلية الفنون الجميلة الحالية)، وأوقف على خدمتها 127 فدانا من أجود الأراضي الزراعية في محافظة المنيا، كما أوقف لهذه المدرسة عددا من عقاراته في مدينة الإسكندرية.

أضف إلى ما سبق، أن الأمير اشتهر بحبه للفنون الجميلة وشغفه بشراء اللوحات الفنية، لا سيما الفنون والعمارة الإسلامية التي كان مولعا بها لدرجة أنه كان يجوب العالم خصيصا من أجل شراء القطع النادرة من الفن الإسلامي والفن الآسيوي. وعدد كبير من اللوحات التي كان يقتنيها الأمير أهداها للمتاحف الملكية متوجا تاريخه الوطني بإعادة ممتلكاته التي كانت في الخارج إلى مصر لكي تصبح ملكا للشعب.

وفي جولة خاصة قامت بها «الشرق الأوسط» في أرجاء «قصر نجع حمادي»، أتيح لنا التعرف على الوحدات التسع التي تشكل قوام القصر الفريدة معماريا، وأقيمت على مساحة ‏10‏ أفدنة، إلا أنها تقلصت مع مرور الأيام، حيث جرى اقتطاع أجزاء من القصر لجهات حكومية ومصالح خدمية، مما غير من الطابع المميز والفريد للقصر.

تضم الوحدات المعمارية للقصر «قصر السلاملك (جناح الاستقبال)، والقصر، وقاعة الطعام، والمطبخ، والفسقية (النافورة)، وضريح الشيخ عمران، والمئذنة، وقاعة الدرس، والسبيل (مشرب الماء). ويتصدر السبيل واجهة السلاملك، وهو عبارة عن بانوراما فنية لمجموعات أثرية ولوحات فنية لمختلف العصور. ويتكون السلاملك من طابق سفلي (بدروم/ أي قبو) يعلوه الطابق الأول المكون من 3 قاعات رئيسية، وحمام ودورة مياه وسلم صاعد للدور الثاني والسطح وآخر هابط للطابق السفلي.

أما القصر الأساسي، فيقع في الطرف الشمالي للوحدات المعمارية، وهو مشيد من الآجر الأحمر (القرميد أو الطوب) والآجر المنخور في أشرطة متعاقبة على النمط الأبلق (باللونين الأحمر والأبيض). وللقصر أربع واجهات؛ تطل الواجهة الشمالية الشرقية الرئيسية على النيل مباشرة، ويتقدمها سلم رخامي مزدوج يؤدي إلى سقيفة أمامية. في حين يتخلل الواجهة الشمالية الغربية مجموعة من الشرفات الرخامية تتقدم فتحات الشبابيك، وبالنسبة للواجهة الجنوبية الغربية الخلفية فإنه يوجد فيها مدخل ثانوي للقصر يغلق عليه بمصراع خشبي.

وإجمالا، ينقسم القصر من الداخل إلى طابقين؛ أول وثان، وطابق سفلي والسطح. الطابق (أو الدور) الأرضي يضم 4 غرف وصالة تخديم وحماما ودورة مياه ومطبخا، والثاني غرفتين ودورة مياه وطرقة، أما الطابق السفلي أو «البدروم» فيتكون من عدة غرف ويوجد فيه مطبخ القصر، وأخيرا هناك سطح القصر؛ حيث توجد عدة غرف بمنافع للقصر، كما يوجد فيه مصعد خاص من الخشب صنعة الأمير خصيصا لوالدته التي كانت تعاني من مرض في القلب.

كلمة أخيرة عن هذه التحفة المعمارية..

قصر الأمير يوسف كمال في نجع حمادي لم يسلم، مع الأسف، من القرارات الروتينية الحكومية التي كادت تقضي على منظره الجميل، وتحرمه من السور الذي يحيط به حاليا. ذلك أن الأجهزة التنفيذية بمدينة نجع حمادي حاولت هدم جزء من سور القصر من أجل تخطيط المدينة، إلا أن تدخل بعض الهيئات والجهات العاشقة للتاريخ والآثار المصرية حال دون ذلك، وتمكنت من حفظ القصر من عبث المخربين الذين لا يقدرون قيمة هذه التحف المعمارية.

وحتى اليوم، وعلى الرغم من حرص عدة جهات على تأكيد القيمة الأثرية لهذا القصر الملكي، فإنها لم تفلح حتى تاريخه في فتح القصر بوصفه مزارا رسميا للجمهور، لكي يطلع على جمالياته ويتعرف على تاريخه وفترة إنشائه التي تعتبر من الفترات المؤثرة في التاريخ المصري الحديث.