جلود الأضاحي في تونس.. بين التقاليد العريقة وواقع الحياة المعاصرة

يزداد الطلب عليها باطراد مع مرور الوقت

العم فرحات في حراسة جلود الأضاحي المتبرع بها للجمعيات الخيرية («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد كثرة الجلود دليل نعمة في البيت التونسي المعاصر كما كان الحال قبل 4 أو 5 عقود خلت، فقد قلت وفي أماكن أخرى اختفت تلك المظاهر في المدينة والريف على حد سواء. حتى جلود العيد، لم يعد يعبأ بها كما كان في السابق، ولا يحتاج المرء لجهد جهيد ليلاحظ مشهد جلود مرمية خارج العمران وداخله في أول أيام العيد. وقد اختفت هذه الظاهرة في أماكن وقلت في أماكن أخرى، بسبب اهتمام الهيئات والجمعيات الخيرية بجلود الأضاحي، حيث يرفض الكثير من الناس بيعها لحرمة ذلك شرعا، ويفضلون إهداءها للجمعيات الخيرية التي تقوم ببيعها والإنفاق من سعرها على الفقراء والمحتاجين.

ومن بين الجمعيات التي نشطت في جمع جلود الأضاحي هذا الموسم، جمعية البر والتعاون الخيرية، بالباطن، وجمعية التكافل بالقيروان وغيرها من الجمعيات المنضوية تحت الأمانة العامة للجمعيات الخيرية والتطوعية في تونس.

وقالت الحاجة مبروكة، (75 سنة)، لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نحفل بجلود الأضاحي أكثر من غيرها، ونعتني بها فهي شيء ثمين بالنسبة لنا»، وتابعت: «كانت الجلود فرشنا، وتتبارى النسوة في تنظيفها وتنميقها، بعضهن كن يجعلن منها النمارق ويضعنها على الجدران لتمثل حاجزا بين من يتكئ عليها وبرودة الحيطان، وقد اختفت كل هذه المظاهر الآن لتترك مكانها للمفروشات الجديدة».

وتحدثت الحاجة مبروكة عن طريقة إعداد الجلود: «كنا نمطط الجلود ونضع عليها الدباغ ومنها قشور الرمان والملح، وتبقى الجلود ممطلة ومشدودة إلى مسامير في الأرض أو الجدران لمدة 3 أيام أو أكثر، ونغسل صوفها ونمشه وإذا احتاج إلى تجذيب نجذبه».

وحول ما إذا كانت تحتفظ بجلود في منزلها حتى الآن، أجابت بالإيجاب: «صحيح لا تزال عندنا جلود من قبل (بتسكين القاف ونصب الباء وتسكين اللام، وتعني من الماضي أو السابق)، ولكن منذ عدة سنوات لم نعد نعد الجلود للاستخدام، وأصبحت المصانع هي التي تقوم بذلك ولكن على طريقتها».

وأفادت الحاجة مبروكة بأنها سلمت 4 من جلود أضاحي الأسرة إلى الجمعية الخيرية بمنطقتها هذا الموسم، ولم تدخر أيا منها كفرش أو غيرها.

وأشار منذر السبري، عضو جمعية البر والتعاون الخيرية، إلى طريقة جمع جلود الأضاحي: «وضعنا إعلانات على أبواب المساجد وطلبنا من الأئمة تذكير الناس بحرمة بيع جلود الأضاحي وجواز تقديمها للجمعيات الخيرية للاستفادة منها في برامجها لصالح الفقراء والمحتاجين، وقد استجاب عدد كبير من الناس وسلموا لنا جلود أضاحيهم التي قمنا ببيعها لتجار الجلود».

وقد استفادت الجمعيات الخيرية من جلود الأضاحي، لا سيما تلك التي يملك بعض أعضائها شاحنات صغيرة، حيث ظل عضو الجمعية السيد الفطناسي يتنقل بشاحنته من حي لآخر يجمع جلود الأضاحي لفائدة جمعيته: «لدينا الكثير من نقاط تجميع جلود الأضاحي، فقد أخبرنا الناس بالأماكن التي يجب وضع أضاحيهم فيها والقائمين على جمعها، والحمد لله لدينا الكثير من الجلود».

تاجر الجلود لطفي بن مخلوف، أكد أن «هناك طلبا على الجلد، وقد تزايد هذا الطلب منذ 3 سنوات»، وأعرب عن أمله الحصول على 5000 جلد على الأقل لبيعها للمصانع: «فيها فائدة مادية كبيرة، ستساعدني على فتح محل جزارة قريبا».

وتقوم مصانع الجلد في تونس بشراء جلود أضاحي العيد من التجار والجلود في الأيام العادية من الجزارة لصناعة الأحذية والأحزمة المختلفة، والحقائب النسائية والسراويل والسترات والمعاطف الجلدية. ويبلغ سعر جلد الأضحية الواحدة بين دينارين و4 دنانير، بينما يرتفع سعر جلود الخرفان التي يشتريها التجار من الجزارين إلى 7 دنانير للجلد الواحد، نظرا لجودة عملية السلخ مقارنة بأغلب جلود الأضاحي التي يقوم أصحابها بسلخها.

وقد بلغت الصادرات ما يقارب المليار دينار، وتستأثر إيطاليا وألمانيا وفرنسا بنسبة 90% تقريبا من الصادرات التونسية من الجلد، منها أكثر من 20 مليون حذاء للاتحاد الأوروبي ككل. وهناك نحو 500 مؤسسة صغرى ومتوسطة تعمل في قطاع الجلود، من بينها 240 مؤسسة مصدرة تؤمن القسط الأكبر من الإنتاج. ويوفر قطاع الجلود في تونس أكثر من 40 ألف فرصة عمل، ويساهم بنحو مليار دينار تونسي من قيمة التصدير، وتبلغ أرباح الاستثمار في قطاع الجلود، ولا سيما الأحذية، 50%.