لبناني يجمع ما يزيد عن 15000 قطعة أنتيكا بينها النادر والقيم

مقتنياته تشع ببريق الماضي.. وشغفه دفعه إلى تحويلها من هواية لمهنة

من معروضات متجر شادي واكد.. الشغوف بالتحف والمقتنيات القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

بمجرد دخولك إلى متجر شادي واكد تشعر بعبق التاريخ الجميل...

تحف صغيرة وكبيرة تنبعث منها رائحة الماضي وتحلق بتناغم حول صاحبها، الذي انزوى بينها، كأنه القطعة الأغلى ثمنا والأقدم تاريخا، ولقد جلس على كرسي خشبي ذي قاعدة مطرزة بالخيوط الملونة، واضعا إحدى قدميه على الأخرى، وحاملا بيده عدسة مكبرة ليتفحص قطعة نقدية يحملها بيده الأخرى.

شادي واكد شاب لبناني عمره 32 سنة، لم يلتفت نحو اختصاصات جامعية مستحدثة كالكومبيوتر وإدارة الأعمال، أو هوايات عصرية كبقية الشباب في عمره، بل بكل بساطة تبع هوايته في جمع «الأنتيكات» (العاديات) والتحف القديمة لتصبح مصدر رزقه أيضا. وهو فعل ذلك بدافع من رغبته في المحافظة على جذور الأجداد – كما يقول – بالإضافة إلى توعية المواطنين بأهمية التراث، مرددا شعار «من فات قديمه تاه» أمام زبائنه، مع أن هذه الهواية استنزفت قدرا كبيرا من أمواله.

متجر واكد يقع في ضاحية عين الرمانة، إحدى الضواحي الشرقية للعاصمة اللبنانية بيروت. وهناك في المتجر التقته «الشرق الأوسط»، فبادرنا بالقول شارحا «إذا صادف مروري قرب محل لبيع الخردة، أحرص على أن أدخله على الفور، لأنني سأجد حتما كنوزا لا يمكن أن تجدها بالضرورة في محال الأنتيكات، وإطلاقا لن تجدها في متاجر الأدوات الحِرَفية».

بدأت قصة شادي واكد، كما رواها لنا، مع جمع المقتنيات القديمة «كهواية» حين كان في السادسة عشرة من عمره، أي في مرحلة الدراسة الثانوية، وذلك عندما شغف بجمع العملات اللبنانية المعدنية منها والورقية.

وبعد سنتين انتقل إلى جمع «الأنتيكات» التي راح يبحث عنها في مختلف البلدات اللبنانية، لا سيما عند كبار السن، عارضا عليهم شراءها، وتارة كانت المبالغ المالية هي الحل، وطورا كان بعضهم يقدمها له مجانا. ومن ثَم دفعه شغفه الكبير بـ«الأنتيكات» إلى البحث عنها في عطلة نهاية كل أسبوع إبان دراسته الجامعية، وبعد التخرّج أثناء تحضيره لشهادة ماجستير في علم الآثار من الجامعة اللبنانية. وكان يومذاك يخصّص كل ما يزوّده به والداه كمصروف جامعي لشراء التحف الأثرية وشبه الأثرية.

لدى دخول المتجر يلفت الزائر منظر ثريّات (نجف أو مصابيح كهربائية) نحاسية اللون تتدلّى من السقف، قال لنا إن عمرها يزيد على 50 سنة. وبدورها، تسلط تلك الثريّات ضوءها الأصفر على بعض القطع التي توارت عن الأنظار كمطحنة البن النحاسية التقليدية المكوّنة من قطعتين ومقبض يدوي... التي اختفت من بيوت اللبنانيين بعد ظهور مطاحن البن الكهربائية.

وتستوقف الزائر أثناء تجواله داخل المحل، قطع تعكس حضارة تاريخ الكثير من الأمم، منها يعود إلى العهود العثمانية والمملوكية والفارسية، وكذلك للعهدين السلجوقي والعباسي، فضلا عن قطع فخارية قال لنا إنها ترجع إلى العهدين الفينيقي والروماني، وأخرى تعود إلى عصر الحديد (800 عام ق.م).

وبين القطع التي تثير الاهتمام حقا إناء أثري من العهد المملوكي، وقطع معدنية متعددة الأشكال تعود إلى القرنين الثالث عشر والثامن عشر، بالإضافة إلى الوثائق التي كانت تستعمل في فترة الانتداب العثماني ومنها بطاقة الهوية التي كانت تمتاز بحجم كبير وتتضمن كل المعلومات عن صاحبها، فضلا عن مجموعات كبيرة من معاملات الدولة والمراسلات والأوراق الجمركية.

وعن عدد التحف التي يمتلكها، قال لنا شادي واكد «يتراوح عدد مقتنياتي بين 15 و20 ألفا، وهي متعدّدة الأشكال والألوان بخلاف القطع الصغيرة التي لم أنته من إحصائها بعد، لا سيما (الحَلَق) القديم الذي يعود إلى حقبة إسلامية قديمة، ومجموعة من السكاكين القديمة وعلب البارود والبنادق – بينها بندقية (بندق أبو فتيل) – وكذلك علب التبغ ومحابر قديمة وأدوات الحلاقة العائدة لعشرات السنين الماضية وأدوات النجّارين القديمة وأدوات الفلاحة... إلخ». إلى ذلك، وعلى أحد الرفوف التي يغطيها الغبار، ما كان بإمكاننا تجاهل وجود هاتف (تليفون) كبير الحجم يعود لعام 1932. وبجواره صندوق راديو خشبي كبير يقدر عمره بـ60 سنة، وآنية نحاسية منقوشة.

حول سوق بيع الأنتيكات، قال واكد إن «المسألة برمّتها باتت ترتبط بمعادلة العرض والطلب، فالمواطن اللبناني، حتى مَن يعمل موظفا حكوميا مثلا، ما عاد ينجذب إلى القطعة العادية إذا كان ميسور الحال، بل إن الإقبال يتركز حاليا على اللوحات القديمة العائدة للرسامين اللبنانيين المعروفين كعمر فروخ وصليبا الدويهي وأمين صفير وغيرهم».

وتابع: «في المتجر هنا تتراوح أسعار المعروضات بين 10 دولارات أميركية و3000 دولار»، مستطردا «شكّلت حرب يوليو (تموز) 2006 فرصة كبيرة لي، أتاحت لي شراء أعداد كبيرة من القطع بادرت إلى وضعها في منزل العائلة ببلدة غزير (شمالي بيروت). وبدأت بالاحتفاظ بها تحت سريري الخاص، ومن ثم على جانبيه، وفوق خزانة غرفة النوم وداخل أدراجها، ثم على رفوف أنشأتها خصيصا لها. ثم انتقلت بها إلى غرفة الاستقبال، رغم اعتراض والديّ، وشيئا فشيئا أصبحت مجموعتي تضم المئات من القطع، وكلها مرتّبة داخل صناديق وحقائب وأكياس نايلون شفافة، بينها 1200 حجة (وثيقة تسجيل) أرض تعود إلى القرن التاسع عشر».

أما عن الأماكن التي قصدها لبناء مجموعته، فقال لنا إنها شملت الكثير من المناطق اللبنانية، مع تركيز خاص على قرى قضاء كسروان بشمال شرقي بيروت، ومنها عرمون ودلبتا، وكذلك الحدث والحازمية في ضواحي بيروت، وبلدة بينو في أقصى شمال لبنان، إلى جانب سوق الأحد في شمال لبنان، وسوق الاثنين في مدينتي صيدا وصور بجنوبه، وكشف عن نيته السفر قريبا إلى الأسواق الشعبية في كلّ من فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وبلجيكا، وذلك بعدما زار سوريا للغاية نفسها.

وفي الختام، قال شادي واكد إن ما يهمّه هو توريث هذه المقتنيات التي تعكس الكثير من الحضارات والعصور القديمة لأولاده مستقبلا بدلا من المال، وبذلك تنتقل من جيل إلى جيل، خاصة القطع النادرة منها التي يرفض بيعها.