بعد الحريق.. «سوق ليبيا» تسترد عافيتها قريبا

من أهم المعالم السياحية والاقتصادية لمرسى مطروح

منظر للسوق قبل الحريق الذي أتى على محلاتها مؤخرا («الشرق الأوسط»)
TT

العلاقة بين ليبيا وساحل شمال غربي مصر علاقة قديمة عايشت حضارات تليدة، وشبكت فيها أواصر قربى وصالات تفاعل اقتصادي واجتماعي عبر القرون. وفي شوارع مدينة مرسى مطروح، كبرى مدن الساحل الشمالي الغربي لمصر، وتقاطعاتها الكثيرة القريبة من الشواطئ والمياه الزرقاء، كان يقصد نحو خمسة ملايين زائر كل سنة موقعا يعرف بـ«سوق ليبيا» والذي يعد أهم المعالم السياحية والاقتصادية التي ارتبطت بالمدينة، وكان يزخر بالمنتجات المميزة المجلوبة من مختلف أرجاء العالم.

هذه السوق الشهيرة تعرضت لحريق ضخم قبل نحو أسبوعين، لم تحدد أسبابه حتى الآن، أدى إلى إرباك الحياة في مرسى مطروح، التي تعتمد في حياتها الاقتصادية أساسا على السياحة والتجارة، ولكن يجري حاليا العمل على إعادة تجهيزها وتطويرها لتسترد عافيتها أمام زائريها. وثمة وعود بإنجاز ما هو مطلوب في الشهر المقبل لتسترد السوق عافيتها أمام زائريها.

يعود عمر «سوق ليبيا»، في الواقع، لأكثر من أربعين سنة حين كانت مرسى مطروح مجرد مدينة صغيرة تعيش على تهريب البضائع من ليبيا، المجاورة لها، عبر الحدود البرية. ولذا عرفت السوق في البداية باسم «سوق التهريب»، ثم تقلص نشاطها خلال فترة الجفاء في العلاقات بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي. ومن ثم، عادت إلى الازدهار منذ تسعينات القرن الماضي، وخاصة بعد تيسير حركة التنقل والسفر بين مصر ودول المغرب العربي عبر الحدود الغربية لمصر.

وعليه، منذ نحو عقدين من الزمان، أسست «سوق ليبيا» بشكل رسمي في المرحلة الجديدة، بوسط مدينة مرسى مطروح، على مقربة من الشواطئ. وكان موقعها أصلا مجاورا لمبنى ديوان المحافظة ومديرية الأمن، لكن شدة الإقبال عليها وتنامي حجمها دفع بالمسؤولين إلى التفكير في موقع آخر بديل. وبالفعل شيد أحد رجال الأعمال من القطاع الخاص الموقع الحالي للسوق على طريق المطار في الطرف الغربي للمدينة. وسريعا أسهمت السوق في إعمار تلك المنطقة التي كانت مهجورة في السابق، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار العقارات والمحال التجارية وغيرها حولها.

قبل الحريق، ضمت السوق في موقعها الحالي نحو 320 محلا أسست وبوشر العمل فيها بعد صدور قرار محافظ مطروح في صيف عام 1995. ولا تتعدى مساحة المحل الواحد خمسة أمتار، تتنوع فيها البضائع ما بين الملابس الرجالية والنسائية، من ماركات عالمية معروفة للأحذية ومستحضرات التجميل والعطور، بالإضافة إلى منتجات غذائية أشهرها الشاي الأخضر والمكسرات والبن والزيت والزيتون وغيرها، إلى جانب منتجات مطروح المحلية كالزيتون والنعناع والبلح وزيت الزيتون والأعشاب الصحراوية.

غير أن السوق اكتسبت شهرتها حقا لكونها تزخر بمختلف أنواع المنتجات المجلوبة من ليبيا وبعض دول المغرب العربي، وبعض هذه المنتجات مستورد من قبل من تركيا ودول أخرى في حوض البحر المتوسط، وهذا ما ميز بضائعها كونها لا تتوافر على المستوى الشعبي في المدن المصرية الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية.

وعلى الرغم من أن الأسعار لا تختلف كثيرا في سوق ليبيا عنها في أي مكان آخر داخل مرسى مطروح، فإن حجم الشراء داخل السوق يفوق المواقع الأخرى داخل المدينة، كون «سوق ليبيا» تحولت أيضا إلى مقصد سياحي لزوار منطقة مطروح، ولذا تظل فاتحة أبوابها على مدار الـ24 ساعة.

إلى ذلك، يصل حجم العمالة في السوق خلال فصل الصيف إلى أكثر من ألف عامل تقريبا بالإضافة لأصحاب المحلات، إلا أن عدد العمال ينخفض في فصلي الشتاء والربيع، لتراجع أعداد السياح والزوار في هذه الفترة من العام. أما في موسم الصيف، الذي يعتبر موسم الذروة السنوي، فيصار إلى تقسيم العمالة إلى ثلاث ورديات تلبية لحجم الإقبال المرتفع في هذا الفترة.

ولكن هذا العام، بعد نحو شهرين من انتهاء موسم الصيف لم تسر أمور «سوق ليبيا» كالمعتاد. إذ اندلع يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الموافق فجر ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، حريق هائل أتى على السوق كلها، والتهمت السنة النار بضائع 195 محلا من محلات السوق وقدرت قيمة الخسائر بملايين الجنيهات.

وعلى أثر الحريق، شكل اللواء أحمد حلمي الهياتمي، محافظ مطروح، لجنة لتحديد الخسائر والتلفيات، وقرر صرف مليون ومائة ألف جنيه كتعويضات لأصحاب المحلات التي تضررت. كذلك قرر المحافظ إنشاء نقطتي إطفاء ومرافق خلف السوق للقضاء على العشوائية وتسهيل السيطرة على الحرائق قبل تمددها، وذلك بتحديث شبكة إطفاء الحريق بالسوق مع إنشاء شبكة صرف لشوارع السوق الداخلية.

وفي هذا السياق، صرح فهمي البدري، رئيس مجلس إدارة السوق وعضو اللجنة المشكلة لتحديد التلفيات لـ«الشرق الأوسط»، مؤخرا بأنه «بدأ العمل في ترميم المحال بتكلفة سبعة آلاف جنيه للمحل الواحد، ومن المتوقع الانتهاء من أعمال الترميم والتجهيز والافتتاح خلال شهر تقريبا، بعد الاطمئنان على السلامة والتأمين بالسوق من خلال مدى استعداد وتأهب سيارات الإسعاف والإطفاء لأي حادثة أو طارئة وسرعة وصولها للموقع، وكذلك عمل أجهزة الإطفاء بالموقع ذاته واختبار مدى كفاءتها لمواجهة أي طوارئ».

وقدر البدري، في تصريحه، خسائر المتضررين من حريق المحلات بأنها تراوحت ما بين 50 و100 ألف جنيه، وذكر أنه من المقرر البدء في تقسيم السوق في مرحلتها الجديدة لتوزيع عمليات بيع السلع بواقع 45 محلا لبيع العطور والروائح و60 محلا لبيع الملابس الرجالية و30 محلا للملابس النسائية و30 محلا للأحذية و50 محلا للمنتجات البيئية والعطارة و60 محلا للإكسسوارات و15 محلا للأدوات الكهربائية و20 محلا للعب الأطفال.