تونس: الفول المدمس يعود للشوارع ليناجز البطالة

تزايد عدد الباعة والمقبلين عليه يجعله مورد رزق يستحق الدعم من الدولة

الحميدي يبيع الفول منذ 10 سنوات على الطريقة التقليدية
TT

أكلات شعبية كثيرة في تونس، تقام لها المطاعم الصغيرة في الشوارع والأزقة والممرات، منها الكفتاجي، (يصنع من الفلفل الأخضر والطماطم والبيض والتوابل ويخلط جميعا ويقدم في صحن أو ساندويتش) والبليلة وهي من الحمص والفلفل الأحمر والهريسة التونسية الحارة (الشطة) الفطائر وغيرها، لكن لا يوجد مطعم واحد يقدم الفول.

بيد أن ظاهرة جديدة طفت على السطح في شوارع وأنهج بعض المدن التونسية ولا سيما في الوسط والجنوب وهي ظاهرة بيع الفول المدمس على عربات تجر أو تدفع باليدين، وجد فيها البعض حلا للخروج من حالة البطالة والحصول على كسب محترم لإعالة الأسرة.

محمد الحميدي (55 سنة) واحد من هؤلاء الأشخاص الذين لجأوا إلى بيع الفول المدمس، لإعالة 3 أطفال حيث يوقف عربته عند تقاطع الطرق ليبيع ما لديه من فول. وقال الحميدي لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل منذ 10 سنوات في هذا الميدان بعد أن عجزت صحيا عن العمل في مجال البناء والمقاولات».

يقوم الحميدي منذ الصباح الباكر ويظل يتجول في أماكن الكثافة البشرية بالسوق، أو عند تقاطع الطرقات حيث تمر شاحنات مختلفة الأحجام من شتى أنحاء تونس ولا سيما مدن وجهات الجنوب «كل يوم أبيع مرميط (كلمة فرنسية تعني الجفنة أو الحلة بتعبير بعض الشعوب العربية) وأحصل على مبلغ 20 دينارا وأحيانا تزيد وأحيانا تنقص».

يشتري الحميدي الفول من التجار ثم يعود به إلى البيت ويتركه، كما قال، يومين في الماء، ثم يصفيه ويغليه في ماء نظيف لمدة ساعتين أو ثلاث ويضيف عليه الملح والكمون ويضع آخرون الإكليل، ويضيف: «أشتري الفول من التجار نقدا وأعود به للبيت فأضعه في الماء لمدة يومين أو ثلاثة أيام ثم أطبخه في الماء والملح وأضعه في المرميط (الجفنة) وأخرج به للسوق لبيعه».

ما يشتكي منه الحميدي هو غلاء الفول الذي تضاعف سعره عدة مرات وقفز من 9 دنانير للقلبة الواحدة (القلبة تحتوي على 14 كيلوغرام) إلى 30 دينارا للمقياس الواحد. أما ما يحصل عليه الحميدي من تجارته المتواضعة جدا فيصرفه على عياله، فيقول: «بالكاد يكفي ما أحصل عليه من بيع الفول لإعالة الأسرة، دون التمكن من شراء ملابس لهم فضلا عن تحسين المسكن الذي يكاد سقفه يخر علينا لافتقاده للصيانة منذ 10 سنوات».

ليس غلاء المعيشة وحده ما يحول دون تحسن ظروف الحميدي، بل آفة لا يكاد ينجو منها تونسي وهي التدخين «يستنزف الدخان نصف المحصول أحيانا وأحيانا ثلثه وأحيانا ربعه حسب ريع كل يوم فأنا أدخن علبتين في اليوم».

يبيع محمد الحميدي، المغرف أو بتعبيره (اللوش، كلمة فرنسية) ب300 مليم، واكتفى بهذا السعر رغم غلاء الفول على حد قوله: «اللوش بـ300 مليم، ولكن كثير من الزبائن ولا سيما أصحاب الشاحنات والسيارات المتجهة للجنوب وإلى القيروان يتركون لي بقية الخمسمائة مليم أو الدينار أحيانا». وفي المقابل «هناك من يأخذ مني كيسا صغيرا من الفول بالدفع المؤجل لأنه لا يملك 300 مليم في ذلك الوقت ولهذا لم أفكر في زيادة السعر».

ورغم رضا الحميدي بتجارته الصغيرة التي لا تكلفه سوى ما يحتاجه من فول وغاز وملح وكمون إلا أنه حاول ولا يزال يحاول الحصول على عمل يتماشى وظروفه الصحية بسبب التدخين الذي يرفض التخلي عنه مازحا: «عشرة قديمة وأنا أراعي العشرة» ويعود للتعبير عن رغبته في الحصول على عمل آخر فيقول: «قدمت كثيرا من الشكاوى بعد الثورة، لكن دون جدوى».

لا يخطر على بال البعض أن الفول الذي يبيعه الحميدي، يختلف كثيرا عن الفول الذي يعرفه الجميع في المطاعم الشعبية في بعض الدول العربية أو في أوروبا والأميركتين والدول الآسيوية والأفريقية، إذ إنه دون ذلك بكثير.. الفول الذي يباع في شوارع بعض المدن التونسية، لا يزيد على حبوب الفول المغلية في الماء والملح والمبثوث عليه قليل من الكمون أو الإكليل من أجل إضفاء نكهة على الطعم، أي دون طحن الفول، وإعادة طبخه مع البصل والطماطم. أو مزجه أو وضعه مع البيض، والجبن أو مزجه بالطحينية.

ومع ذلك يتزايد عدد الباعة وعدد المقبلين على الفول، مما دفع بعض الأوساط في التفكير في جعله مورد رزق يستحق الدعم من الدولة بتوفير مستلزماته للحد من البطالة وهو ما يمثل إرهاصا لظهور مطاعم الفول على الطريقة الشرقية.