مصر: علي الفارسي.. جعل من المخلفات الورقية منتجات فنية مفيدة

إلى جانب المساعدة على نظافة البيئة

علي الفارسي وسط باقة من إنتاجه («الشرق الأوسط»)
TT

وسط المزهريات (الفازات)، وحافظات الأقلام، والحصالات، وعلب حفظ المناديل، ومجسمات الطواحين، وطفايات السجائر، وصناديق وأطباق مختلفة الأشكال والأحجام، وغيرها من الأشكال الفنية الأخرى، يقف علي الفارسي مزهوا بما شكلت يداه من منتجات باستخدام «عجينة الورق».

الفارسي (57 سنة) قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يتفرد بهذه الهواية «التي لا يعرفها كثيرون في مصر والوطن العربي». وتابع الحرفي المصري شارحا أنه تخصص قبل ست سنوات في تحويل المخلفات الورقية إلى منتجات فنية، وبدأ يقوم بتدوير نفايات الورق بإعادتها لسيرتها الأولى على هيئة عجينة لينة، يتسنى له تطويعها وتشكيلها على هيئة مجسمات متعددة الأشكال والأحجام والألوان كيفما يريد. ثم قال «في الواقع بدأت هذه الهواية باجتهاد شخصي مني، عندما وجدت أنه يطلب من أولادي في المدرسة عمل وحدات فنية. ولقد أعادني هذا الأمر إلى ما كنا نفعله عندما كنا صغارا.. إذ كنا نضع شرائح الورق المعجون حول بالون لعمل أقنعة للوجه بعدما تجف. وامتدادا لهذه الفكرة بدأت أفكر في الاستفادة من عجينة الورق السهلة في إنجاز أشكال أخرى. وبالفعل بدأت العمل في أشكال صغيرة، ثم تطورت الفكرة لإنتاج مجسمات متعددة متنوعة وتلوينها».

وعن الطريقة التي يتبعها، قال علي الفارسي لـ«الشرق الأوسط»، إن أول ما يفعله هو تجميع الورق المستعمل في المنزل.. كورق الصحف أو الكتب القديمة أو ورق التغليف أو غيره من الأوراق، ثم تقطيعه إلى قطع صغيرة يفرمها من خلال مفرمة الورق أو غسالة الملابس الكهربائية، وبعدها يضيف الماء إليها لكي تتحول إلى عجينة طرية، ثم إضافة مادة لاصقة كالغراء الأبيض أو مسحوق النشا الذي يكون له نفس التأثير، وبعد كل ذلك يصبح في الإمكان البدء في تشكيلها وفق الشكل الذي يريده.

الفارسي ذكر أيضا أنه أحيانا يقوم بإضافة بعض المواد إلى عجينة الورق، مثل «الفوم» الأبيض، «خاصة في التصاميم ذات الحجم الكبير لأنه يعطيها وزنا أقل»، مبينا أن «المخلفات بأنواعها يمكنها أن تضاف إلى العجينة.. ولكن بشرط توظيفها جيدا».

وأوضح الفارسي أن «عملية تشكيل الوحدات والمجسمات الفنية تكون عبر قالب إذا كان المطلوب الحصول على شكل معين، أو عن طريق استعمال اليدين لعمل بعض الأشكال البسيطة، وفي الحالتين لا تأخذ عملية التشكيل وقتا طويلا، كما أن المنتجات تترك في الهواء بعد الانتهاء من تشكيلها لمدة قليلة أيضا لكي تجف، وهو بدوره أمر لا يتطلب مجهودا كبيرا». وتابع فنان الورق المصري أن الألوان التي يستخدمها في تلوين المنتجات يحصل عليها «عن طريق إضافة بعض الصبغات الرخيصة إلى العجين قبل التشكيل، أو يمكن أن تلون المنتجات بالفرشاة لإكسابها تدرجات وتشكيلات لونية مختلفة، كما يمكن منذ البداية تصنيف الورق قبل البدء، بمعنى خلط أوراق الكارتون بمفردها بعيدا عن الورق الأبيض، وهكذا».

ثم استطرد الفارسي موضحا أن التخلص من الورق المستعمل وإعادة تشكيله لا يتوقف على كونه هواية ممتعة للصغار قبل الكبار فقط، بل إن ما شجعه على الاستمرار في هذه الهواية ومحاولة التطوير فيها هو أن «لها خاصية مهمة تتمثل في الحفاظ على البيئة من خلال تدوير المخلفات الورقية التي تؤذي البيئة والشوارع والمنازل».

وعن مدى انتشار هواية التشكيل بالورق المعجون، قال الفارسي «للأسف لا تنتشر هذه الهواية انتشارا واسعا، فأنا، بحسب علمي، المصري الوحيد الذي تنشر أعماله في الموقع الإنجليزي (عجينة الورق papier mache)، وهو في الأصل مصطلح فرنسي اشتهرت به الهواية حول العالم، وهذا الموقع يجمع أصحاب الهواية حول العالم. فمع بحثي عن الهواية في الإنترنت وجدت هذا الموقع، ومع مخاطبة القائمين عليه خصصوا لي صفحة لعرض أعمالي الفنية كما يحدث مع غيري، وهو ما أتاح لي معرفة أين وصل هذا الفن وكيف أتعرف على من يعمل به».

وأردف أنه «على مستوى الوطن العربي وجدت شابة لبنانية وطفلة من موريتانيا على الموقع، لكن صفحاتهما غير مفعّلة بشكل جيد، بعكس مئات الفنانين على مستوى العالم يمارسون هذا الفن بشكل احترافي وبدرجة عالية من الإتقان، حتى إنني أمام أعمالهم الرائعة كنت أستبعد أنها مصنوعة من الورق».

وبلغة الخبير، تابع الفارسي كلامه عن استخدامات عجينة الورق، قائلا إنه «في بعض دول العالم يصار إلى استغلال عجينة الورق بإضافتها إلى خلطة المواد الإسمنتية واستعمالها في البناء، وبالتالي يمكن في رأيي أن تفيد في مجتمعاتنا عند استخدامها في المناطق العشوائية بدلا من بناء منازل من الأخشاب والصفيح، كما يمكن استخدام عجينة الورق في عمل قطع الأثاث واستغلالها في ديكورات المنزل، ولقد نفذت بعض القطع بالفعل مثل تشكيل منضدة صغيرة يمكن أن تستغل في أحد الأركان، كما شكلت بعض المنتجات على هيئة لوحات يمكن أن تأخذ طابعا تراثيا أو تشكيليا بحيث تزين جدران المنازل أو المكاتب».

وحاليا، يعرض الفارسي منتجاته في المعارض التشكيلية المختلفة التي تنظمها المراكز الثقافية في القاهرة، أو من خلال المهرجانات الفنية التي تنظمها هذه المراكز. ولأنه لا يريد أن تتوقف الموهبة عنده فقط، ينهمك بتنظيم ورش فنية داخل الجمعيات الأهلية لتعليمها للكبار والصغار، تضم مشاركين من سن 6 سنوات إلى 66 سنة، يعلمهم عبرها كيفية صنع الأشكال والمجسمات بأنفسهم، ويحثهم على أهمية الحفاظ على البيئة بالتخلص من نفايات الأوراق الزائدة على الحاجة، مشددا على أنه بمقدور كل فرد «العمل بسهولة داخل منزله.. فهي هواية غير مكلفة».

وفي نهاية حديثه قال الفارسي إنه يحلم بأن تنتشر هوايته، وأن يرى فنانين يطورون من أسلوبها، «فهي تنمي حس الابتكار خاصة لدى الأطفال، وتنمي أيضا ثقافة البيئة النظيفة لدى أفراد المجتمع».