أسد جائع وقردة تنتظر رحيلها.. كل ما بقي في أقدم حديقة حيوانات في المغرب

أسسها فرنسي في منطقة عين السبع بالدار البيضاء قبل أكثر من ثمانية عقود

الأسد الوحيد في حديقة الحيوانات بالدار البيضاء (تصوير: منير أمحميدات)
TT

في الماضي كانت تعد واحدة من أشهر حدائق الحيوانات في المغرب وأهمها، أما اليوم فلم يتبق منها سوى أسد هرم وقردة جوعى، وبعض البط والدجاج، وجماعة القطط الضالة، وحفنة من الزوار الذين يأتون إلى هنا لأنهم لا يعرفون ما ينتظرهم خلف هذه الأسوار.

واضح أن حديقة الحيوانات الموجودة في منطقة عين السبع بمدينة الدار البيضاء، كبرى المدن المغربية، عانت من إهمال شديد، حتى كادت تتحول إلى أطلال لولا ذلك الأسد الهرم، الذي يكفي وجوده ليدل على أنه كانت هنا حديقة حيوانات في يوم من الأيام.

حديقة حيوانات عين السبع تأسست عام 1928، وذلك بمبادرة من أحد الفرنسيين المقيمين في المغرب إبان فترة الحماية - أو الانتداب - الفرنسية على البلاد. وكانت الحديقة ممتدة على مساحة شاسعة يومذاك. غير أن مساحتها تقلصت بشكل كبير حتى ما عادت تتعدى الهكتارين. وتجدر الإشارة إلى أن الحديقة في الأصل كانت عبارة عن رقعة مخصصة لزراعة النباتات والزهور وكل ما له علاقة بالبساتين، لكن بمرور الوقت عمد صاحبها إلى جلب بعض الحيوانات، ومن ثم تحولت فعليا إلى حديقة حيوانات.

وبحسب ما أفادنا به بعض الأشخاص الذين يعيشون قرب الحديقة، أو ظلت أسرهم تقيم بالقرب منها، كان سكان المنطقة في الماضي يلقبون صاحب الحديقة الفرنسي باسم «بودراع» - أي صاحب الذراع - لأن إحدى كفيه كانت مبتورة ولم يتبق من يده إلا الذراع. وتبعا للقب صاحبها عُرفت الحديقة أيضا بمسمى «حديقة بودراع». إلا أنها عندما انتقلت ملكيتها عام 1973 إلى مجلس مدينة الدار البيضاء (المجلس البلدي) تقرر تغيير اسمها إلى «حديقة عين السبع».

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عصرا في عطلة نهاية الأسبوع، لدى بلوغنا «حديقة عين السبع». وعندما دخلنا المكان وجدنا مكتوبا على جدار المدخل أن ثمن تذكرة الدخول درهمان للكبار ودرهم واحد للصغار، وهو مبلغ في حدود ربع دولار، إذ لم يتغير سعر بطاقة الدخول منذ أكثر من 30 سنة.

وهنا علق أحد الزوار، لـ«الشرق الأوسط»، على رسم الدخول قائلا «صحيح بدرهمين فقط يستطيع أي زائر أن يدخل حديقة عين السبع، لكن المكان لا يشجّع على الدخول، فالحديقة بوضعها الحالي لا يمكن أن توفر وقتا طيبا لزائرها، وسيكتشف الزائر أنه لا يوجد حقا في حديقة حيوانات».

وحقا، بعد عبور البوابة الرئيسية للحديقة، تقابل الزائر أقفاص طيور هي إما دجاج أو حمام أو بط أو عصافير صغيرة، ثم على بعد خطوات تستقبله روائح نتنة سببها وجود أعداد من الخنازير، التي يبدو من الواضح أن أحدا لا يهتم بها، ولذا أفسدت إفرازاتها المكان.

إلى ذلك، وغير بعيد عن الخنازير، يوجد قفص كبير يضم مجموعة من القردة، وعلى الرغم من أن القردة حيوانات رشيقة ومرحة، فإنها هنا تبدو تعيسة بائسة بلا مرح ولا رشاقة، كأنها مخلوقات فقدت بهجة الحياة وتنتظر الموت، حالها حال باقي حيوانات حديقة عين السبع.

وهنا لفت انتباهنا أحد القردة من أصل الأربعة الموجودة داخل القفص، وكان يجلس وحيدا، ممسكا بيده جزرة يقضمها، ويبدو أن الجوع وحده الذي جعله يأكلها، حتى إن أرضية القفص كانت متّسخة وقد تناثرت فوقها كميات من قطع الجزر، مما يرجح أن الجزر هو الوجبة الوحيدة التي تقدم لهذه القردة.

وبعد قفص القردة صادفنا قفص الأسد الوحيد في الحديقة، وقد بدا عليه التعب والشيخوخة، وكأنه ينتظر أن يجود عليه الزوار بلحم حيوانات ميتة إن وجدت. والمألوف أن الأسد يكون عادة مع اللبؤة في القفص، لكن أسد حديقة عين السبع يجلس وحيدا لأن اللبؤة - كما علمنا من بعض الزوار - ربما تكون قد ماتت أو نُقلت إلى حديقة الحيوانات الجديدة في العاصمة الرباط. وطبقا لإفادة بعض السكان القريبين من الحديقة فإن هذا الأسد التعيس عندما يجوع يشرع في إطلاق زئير مزعج، مما يضطر العمال إلى حقنه بمخدر لينام ويكف عن الزئير.

وأثناء تجوالنا في الحديقة التقينا مع سيدة اسمها عتيقة مدفر، أوضحت لنا أنها جاءت إلى الحديقة لتمضية يوم العطلة مع أسرتها الصغيرة، ومشاهدة الحيوانات. إلا أنها استطردت قائلة «لقد صدمت عندما رأيت حال هذه الحديقة، فهي تفتقر لأدنى مقومات الترفيه. إن الوضع في داخلها لا يطاق، ولا يمكن أن نطلق عليها مسمى حديقة حيوانات.. وهي بلا حيوانات، فحتى الحيوانات الموجودة فيها تعاني من الإهمال وحالتها الصحية سيئة للغاية».

ثم تحدث إلينا محمد مدبوح، أحد زوار الحديقة وأحد سكان المنطقة، فقال شارحا إن الحيوانات أصبحت تقتات على نفايات القمامة، إذ تأتي إلى الحديقة شاحنات القمامة بما تحتويه من بقايا خضراوات وفواكه وأطعمة، مضيفا أن إطعام الحيوانات رهين بمدى توافر بقايا الأكل في القمامة ومطارح (مكبّات) الأوساخ.

وتابع مدبوح كلامه متذكرا ما كانت عليه الحديقة في الماضي، فقال «كانت الحديقة في الماضي تضم جميع أصناف الحيوانات من جميع القارات، حيوانات صغيرة وكبيرة ونادرة. وكان الزوار يأتونها من داخل الدار البيضاء وخارجها، وتمثل مقصدا ترفيهيا لسكان المدينة كبارا وصغارا، كما أن المدارس، آنذاك، كانت تنظم رحلت إلى طلابها لزيارة الحديقة كي يتعرف الطلاب على هذه الحيوانات عن قرب». وأردف «كانت موسوعة كبيرة في ما يتعلق بالإرث الحيواني، وركنا أساسيا في السياحة الداخلية للمدينة.. لكن حالها اليوم محزن ومؤلم جدا. لقد طالها الإهمال، وباتت مرتعا للأوساخ، ولم يعد يهتم أحد بنظافتها، إضافة إلى قلة الحيوانات التي نفق أغلبها بسبب الإهمال وتفشي الأمراض والجوع».

وبكلماته، اختتمنا جولتنا في أشهر حدائق الحيوانات في الدار البيضاء، التي أصبحت - مع الأسف ذكرى - من الذكريات، ومكانا يزأر فيه أسد جائع، وتقبع في أقفاصه قردة بائسة تنتظر ساعة رحيلها.