موسم صيد الطيور في لبنان حط رحاله بصورة غير شرعية

هواية تتحول لدى البعض إلى إدمان يدفعهم إلى انتظاره بفارغ الصبر

صياد لبناني يمارس هوايته المفضلة («الشرق الأوسط»)
TT

عادة ما يبدأ موسم صيد الطيور في لبنان، من أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لينتهي في فبراير (شباط). وتعتبر هذه الرياضة إحدى أهم الهوايات الرياضية لدى محبي ممارستها، بل إنها تتحول عند بعض الأشخاص إلى إدمان حقيقي يدفعهم إلى انتظاره بفارغ الصبر من عام إلى آخر.

لممارسة هذه الرياضة في لبنان، يلزم إعلان رسمي يصدر من قبل الوزير المختص، ولقد أرسى هذا التقليد عام 2004. وفي ما بعد أصدر وزير البيئة الحالي ناظم الخوري ما يمكن اعتباره الركيزة الأساسية لقانون منع صيد الطيور في لبنان عبر عدة قرارات تنظيمية له. وبناء عليه فإن من يمارس هواية الصيد الآن يدخل في مجال غير الشرعي.

اليوم يعزو البعض تأخر افتتاح موسم الصيد رسميا، التأخر في إصدار قرارات تنظيمية له، تلي وضع المجلس الأعلى للصيد مجموعة توصيات، شملت أكثر من 10 بنود تتعلق في شروط ممارسة هذه الهواية. وفي مقدم هذه التوصيات تقديم امتحان في وزارة البيئة يبين مدى أهلية الصياد لممارسة هوايته، وفي ضوء نتيجة الامتحان يحصل هاوي الصيد على رخصة رسمية لممارسته أو العكس. كذلك تفرض التوصيات على الهاوي حمل بوليصة تأمين ضد الغير بحيث يكون محميا من تداعيات أي حادث مؤسف قد يصادفه أثناء ممارسته هوايته، إضافة إلى توصيات أخرى.

مع هذا، وعلى الرغم من ما سبق، فإن الموسم افتتحه بصورة غير رسمية صيادون لا يتوانون عن ممارسة هوايتهم هذه بامتياز، «خاصة أن ملاحقة الطرائد واصطيادها يشبهها أصحاب هذه الهواية إلى حد كبير بعملية ملاحقة اهتمام النساء وصيد إعجابهن»، حسب وصف أحد هواة الصيد ربيع لـ«الشرق الأوسط». ومن ثم تابع: «هذا ما يضيف إلى هواية الصيد مزيدا من التشويق وحبس الأنفاس، لا سيما أن الطير يتمتع عادة بذكاء فطري حاد يتطلب من الصياد إتباع وسائل ذكية للإيقاع به».

«المطوق» و«السمن» و«الكيخن» هي بعض أبرز أنواع الطيور التي يلاحقها الصيادون في لبنان، وهي في العادة تأتي من الأراضي السورية. ولذا تتركز مراكز الصيد الرئيسة في لبنان عادة في المناطق البرية القريبة من حدود سوريا، مثل عكار - وبالأخص أحراج القموعة - والقريات وبعلبك ومناطق البقاع بمجملها.

وإلى جانب ما يترتب عن صيد الطيور من تكلفة كبيرة تصل إلى 300 دولار أميركي لكل يوم يمضيه صاحبها في ممارسة هوايته، هناك تجهيزات عدة أخرى، فإلى جانب الخرطوش والسلاح المستخدم في اصطياد الطريدة مثل بنادق الخرطوش النباضة الحركة (البمب أكشن) و«الجفوت» جمع «جفت» أي البندقية المزدوجة السبطانة سواء الجانبية أو المتراكبة فوق وتحت لا بد للصياد أيضا من لباس خاص يتلاءم مع تقلبات الطقس يجب أن يكون مقاوما للمياه والوحول، وملائما لتسلق المرتفعات الوعرة.

تبدأ رحلة الصيد عادة عند الثالثة فجرا، إذ يغدو الصياد إلى مكان معين يحدده، وعلى الفور يأخذ له مكانا فيه قبل أن يسبقه إليه غيره من الصيادين. وهناك يعمد إلى تشغيل تسجيلات صوتية هي عبارة عن تغريدات عصافير لجذب الطير، واليوم يشغل الصياد تلك النغمات من هاتفه الجوال، إلى المكان الذي يقف فيه، وكان قبلا يستخدم الصفير تقليدا لأصوات الطيور. وابتداء من تلك اللحظة، تبدأ عملية المطاردة التي تتطلب تركيزا كبيرا وخبرة في التصويب، بإضافة إلى أساليب ذكية يمارسها للفوز بالطريدة، كأن يتخفى قدر الإمكان عن نظر الطير حتى لا يهرب منه.

ولكي يمارس الصياد هوايته يحتاج إلى مساحة يتحرك فيها بحرية من دون أن يتعدى على حيز الصياد الآخر. ومن هذا المنطلق، يسود بين الصيادين اتفاقية «جنتلمان» ضمنية تقضي بأن يبتعد أحدهما عن الآخر لمسافة تتراوح بين 30 أو 40 مترا على الأقل، متجنبين بذلك إحداث مشاكل في ما بينهم.

أما سلاح الصياد، فتعادل أهميته عنده بالسيارة التي يقتنيها، فهو لا يعيره أو يستغني عنه ولو لدقائق قليلة، معتبرا إياه من مقتنياته الحميمة له، ولذلك يحمل كل صياد عتاده وسلاحه من دون أن يكون بحاجة لطلبها من رفيقه أثناء الرحلة.

من جانب آخر، يعرف عن الصيادين إجادتهم «الكذب الأبيض» البريء الذي يندرج تحته التباهي المبالغ فيه بطول باعهم في الصيد، وعدد الطرائد التي اصطادوها، إلا أن كل شيء يصبح حقيقة واضحة على أرض الواقع عند ممارسة الصياد هوايته فعليا، وبعدد ما يستطيع صيده من الطرائد يذيع صيته بين زملائه الصيادين.

وعن علاقة الصيادين في ما بينهم، قال لنا ربيع وهبي «نحن معشر الصيادين نعرف بعضنا تماما وتربطنا علاقة وطيدة، ما يجعلنا نمضي ساعات الصيد بمتعة كبيرة، سواء كان ذلك خلال ممارستنا هوايتنا أو عند استراحة الفطور والغداء مثلا.. وفي هذه الجلسات نشعر وكأننا في عالم آخر بعيدا عن ضوضاء المدينة والمكالمات الهاتفية المتواصلة وعن أي نوع من أنواع الضغوط الحياتية التي نعيشها في حياتنا اليومية». وذكر أن مجموعة من الشخصيات المشهورة في لبنان، لمعت أيضا في عالم صيد الطيور، بينها رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون والنائب والوزير السابق ميشال ساسين، بالإضافة إلى عدد من نجوم الفن أمثال إيلي شويري وفيلمون وهبي وملحم بركات.

وفي الختام، يمكن القول إنه سواء طبق قانون الصيد في لبنان أو لم يطبق، تأخر موسمه أو لم يتأخر، فإن الصيادين هم آخر من ينتظر.. لأنهم حاضرون لممارسة هوايتهم مهما كلفهم الأمر، ومع سبق التصور والتصميم.