«ألف كرسي وكرسي».. مشروع يوثق للمقاعد في شوارع القاهرة

يستكشف عادات المصريين وابتكاراتهم في التمتع بالجلوس عليها

أحد النماذج المختلفة من الكراسي الموجودة في شوارع القاهرة.. بما فيها من أفكار وابتكارية («الشرق الأوسط»)
TT

شجعت شوارع العاصمة المصرية القاهرة المعروفة بصخبها الذي لا يهدأ، فتاة مصرية على توثيق جزء هام من حياة الناس في تلك الشوارع، متخذة من الكراسي والمقاعد مقوما أساسيا في التعرف على نمط من «ثقافة الجلوس»، سواء كان ذلك في الشوارع أو على الأرصفة والمقاهي التي تشكل بعض مفردات التميّز لشوارع المدينة. وعلى الرغم من تنوع أشكال الجلوس وتعدّد الأسباب التي تدفع بعض الناس إلى الجلوس في الشوارع، فإن «الكرسي» يبقى العامل المشترك الذي يتبناه المشروع تحت عنوان «دروس من الرصيف: ألف كرسي وكرسي من شوارع القاهرة».

صاحبة الفكرة منار مرسي، التي تعمل مهندسة معمارية، قالت في حديث خاص أدلت به إلى «الشرق الأوسط» شرحت خلاله فكرتها: «في الحقيقة يسعى مشروع «ألف كرسي وكرسي» إلى استكشاف الديناميكيات العمرانية للقاهرة الكبرى، تلك المدينة التي لا تكف عن النمو، من منظور كرسي الشارع العادي. ويرتكز المشروع على سلسلة من الجولات الاستكشافية داخل المدينة وشوارعها ذات المستويات المختلفة. وهو يأتي بمثابة توثيق فوتوغرافي لكراسي الشوارع في القاهرة، ومن خلاله جرى تسليط الضوء على مستعملي تلك الكراسي الذين يعيشون في مكان خاص يقع ما بين الشوارع والمباني. كذلك يتضمن المشروع إجراء مقابلات مع مستعملي الكراسي يتحدثون فيها عن حياتهم، وعن الوقت الذي يمضونه على الأرصفة، وأيضا عن رؤيتهم للمدينة وعن تصاميم كراسيهم».

هذا، ولقد حصلت صاحبة المشروع على منحة من المركز الثقافي البريطاني في القاهرة لتنفيذ فكرتها، ومع نهاية الدراسة ستعكف على طباعة كتاب يضم توثيقا للمقاعد التي جرى تصويرها، كما سيصار إلى تنفيذ المشروع بالتعاون مع زميل لها يعمل مصورا فوتوغرافيا.

وعن أهمية هذه الدراسة، أوضحت منار: «أرى أن هذا المشروع مليء جدا بالمعاني، فثقافة الجلوس في الشوارع تختلف من دولة لأخرى وفي داخل الدولة نفسها تختلف من مكان لآخر، كما يندرج ذلك على ثقافة الجلوس ما بين القاهرة والمناطق الريفية. وحتى في داخل العاصمة فإن الكراسي وثقافة الجلوس في الأحياء الراقية تختلف عن منطقة وسط البلد وهي بدورها تختلف عنها في المناطق الشعبية. أضف إلى كل ذلك أن أسباب الجلوس تختلف بين الباعة الذين يفترشون الأرصفة بمنتجات بسيطة، وأصحاب المحلات الذين ينتظرون الزبائن، ومرتادي المقاهي البسيطة، وطبعا هناك أيضا المواطن العادي الذي يضع كرسيا أمام منزله ليجلس عليه لأي سبب كان».

وحسب الملاحظات الأولية، تبيّن لمنار - حسب تعبيرها - أن «كرسي الشارع» يأتي «نتيجة نموذجية لعملية إبداعية يقوم بها أصحاب الكراسي، فيخلق من يعملون على الأرصفة لأنفسهم أماكن للتمتع ببعض الراحة، ويعمدون إلى تزويد كراسيهم بالورق المقوّى والوسائد، بل ويعيدون تصميمها ليكون الناتج هو قطع مهجنة تتعايش بها عناصر متباينة في تناسق وفعالية مدهشة».

وأضافت: «ما لاحظته هو وجود قدر غير عادي من الابتكارية في استغلال الكراسي. وستدهشك حتما مشاهدة كراسي شبه محطّمة، لكن مع ذلك هناك من حاول الإصرار على استغلالها وتدعيمها بأشياء قد تبدو طريفة بل مضحكة حتى تظل صالحة للجلوس عليها. وهذا المشروع في رأيي أثبت أن الشعب المصري يتمتّع بقدر عالٍ جدا من الإبداع والقدرة على استغلال أي شيء حتى ولو كان في نظر البعض غير صالح للاستخدام، وهذا الجانب حقا من السمات الثقافية المهمة التي تميّز المصريين عن غيرهم».

عملية تنفيذ المشروع تجري بالدرجة الأولى من خلال جولات في شوارع القاهرة، وكل جولة لها خصوصيتها وطابعها الخاص تبعا لوحي المكان ذاته، حسب منار. ومن جهتها، تلخّص الباحثة المراحل بملاحظة الكراسي الموجودة فيها وتصويرها، إضافة إلى إجراء الحوار مع صاحب الكرسي عن كرسيه وأسباب جلوسه في ذلك المكان، وكذلك الأساليب التي يستخدمها ليجعل كرسيه أكثر راحة له، لافتة إلى التجاوب الكبير من المواطنين معها، حتى إن بعضهم كان يدلّها على مقاعد أخرى في المنطقة تبدو أكثر ابتكارية.

ووفق الخطة التي رسمتها منار للدراسة، أوضحت لنا أنه سيصار إلى تقسيم المشروع في شكله النهائي إلى بضعة أقسام. وبين العناوين ما يحمل ترويسة «أشكال الكراسي» مع ربطها بكلمة ذات معنى مجازي، فعلى سبيل المثال سيكون هناك «كراسي نائمة» و«كراسي ميتة» و«كراسي تتزاوج»، و«كراسي بها خياطة» وهكذا. ومن بين الأقسام اللافتة أيضا، باب خاص يجري التركيز فيه على حكاية كرسي بعينه خلال شهر من الزمن في محاولة لتصوير التغييرات التي تحدث له في الشكل وفي الوضع وفي المكان.. وفي طريقة استعماله على مدار اليوم.

ووسط مشاعر الاندفاع والأمل، ختمت منار حديثها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «إضافة إلى ما ذكرته، سنحرص على وجود جانب أدبي في صياغة مشروع (ألف كرسي وكرسي)، وأنا أعتبر أن موضوع الكرسي في حد ذاته حالة مُلهمة لكثير من الكتّاب، خاصةً عند الحديث عن شوارع القاهرة. لذا سنحرص على وجود قصة خيالية يتولّى كتابتها أحد الكًتاب المصريين حول كرسي شارع صوّر في الحي الذي يقطنه الكاتب، وبدورها تعطي تلك القصة القصيرة للقارئ لمحة من حياة أحد مستعملي الكراسي».