شارع الحبيب بورقيبة.. اسم عربي وبقايا مضمون فرنسي

أحد أشهر معالم العاصمة التونسية

شارع الحبيب بورقيبة الشهير في قلب تونس.. بساعته المميزة («الشرق الأوسط»)
TT

رغم مضي 65 سنة على الاحتلال الفرنسي لتونس، وهو ما يعرفه كثيرون باسم «عهد الحماية»، ومن ثم تحويل عدد كبير من أسماء المؤسسات والدوائر والشوارع من الفرنسية إلى العربية، ما زال أثر الثقافة الفرنسية جليا في جملة من مجالات الحياة اليومية في تونس إلى يومنا الحالي.

شارع الحبيب بورقيبة، الذي يعد أحد أشهر شوارع العاصمة التونسية، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق، كان يحمل إبان الاحتلال الفرنسي اسم «آفينيو دي لا مارين»، أي «شارع البحرية»، وذلك من عام 1900 وحتى عام 1956 الذي استقلت فيه تونس وتحولت إلى جمهورية، ومن ذلك الحين عرب اسم الشارع وحمل اسم الرئيس التونسي الأسبق الراحل.

والواقع أن هذا الشارع يعتبر من الطرق الرئيسية في تونس العاصمة، إذ تتقاطع فيه عدة شوارع مهمة ورئيسة، منها شارع مرسيليا وشارع باريس وشارع روما وشارع اليونان، بالإضافة إلى شوارع أخرى تحمل أسماء عربية، مثل شارع محمد الخامس وشارع قرطاج، وغيرهما. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من مد التعريب، ما زالت هناك حتى اليوم شوارع كثيرة في مدينة تونس ومدن أخرى تحمل أسماء تعود لحقبة الاستعمار الفرنسيين ولا سيما لشخصيات فرنسية.

لكن ما يلاحظه المارة في شارع الحبيب بورقيبة، هو طغيان اللغة الفرنسية ورنينها من أقصاه إلى أقصاه. وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع الباحث كمال عمارة، قال عمارة موضحا: «يعمد كثيرون ممن يحملون عقدة الشعور بالدونية حيال فرنسا والفرنسيين، بتطعيم خطابهم بكلمات فرنسية»، ذاكرا على سبيل المثال عبارة «جو كروا» بمعنى «أنا أظن»، وكلمة «داكور» التي تعني «وهو كذلك» أو «اتفقنا».

أما أكثر الكلمات الفرنسية تداولا بين التونسيين في أحاديثهم، ولا سيما في العاصمة، فمصطلحات «كوم صا» وتعني «هكذا»، و«سي بيان» بمعنى «جيد»، و«ليسي موا ترونكيل» بمعنى «دعني وشأني». أما على صعيد التحية، فيكثر بعضهم من استخدام كلمة «سالو» (تحيات) أو «بونجور» (صباح الخير) و«بونسوار» (مساء الخير).

من جهة أخرى، أثار الطالب الطاهر بن علية خلال حوار معه مسألة اتجاه بعض الأشخاص إلى تطعيم كلامهم بكلمات فرنسية، موضحا كأن يعمد الشخص حين تلفظه الكلمة إلى «ضم الياء ونصب الطاء وتشديد العين وكسرها»، لافتا إلى أن هؤلاء ليسوا بالضرورة يجيدون الفرنسية.

وتابع بن علية: «بل هناك من يتقن الفرنسية ويدرس بها، ولكنه لا يستخدمها في علاقاته الاجتماعية مثل آخرين».

وبالعودة لشارع الحبيب بورقيبة، وإلى جانب استمرار طغيان الفرنسية منذ عام 1881 على لغة الإدارة والوثائق الرسمية في تونس، لا سيما في العلاقات الدولية، وجدت «الشرق الأوسط» خلال تجولها في أرجائه أن جميع قوائم طلبات الطعام والمشروبات في المقاهي والمطاعم مكتوبة بالفرنسية. ولدى سؤالنا بعض أصحاب تلك المحلات عن مغزى كتابة قوائم الطلبات بالفرنسية، رد نفر منهم: «هذا المقهى أسس في عهد فرنسا، وبقيت الطلبات بالفرنسية حتى اليوم»، في حين لم ير البعض الآخر أي مشكلة في ذلك، وقال أحدهم: «الناس يفهمون الفرنسية وبالتالي فلا داعي للتغيير».

ومن الطرائف التي يرويها نادل في أحد مقاهي الشارع، اسمه عادل، أن أحد السياح العرب جلس في المقهى، وعندما وجد القوائم مكتوبة بالفرنسية، سأله: «هل عندكم (منيو) بالإنجليزية؟».

ولكن، في حين تقف جماعات من المواطنين متفرجة على هذا الواقع، وترى جماعات أخرى أن الموضوع لا يشكل مشكلة في خضم المشاكل المعيشية الصعبة، ترى فئة ثالثة أن عليها الدفاع عن اللغة العربية وتحمل على عاتقها مسؤولية ذلك.

من هؤلاء، عبد الرحمن مبارك الذي يعتبر شارع بورقيبة رمزا لترسب الفرنسية في تونس وفي البلاد كلها، مستطردا «هذا الموضوع ليس سياسيا... هذه قضية ثقافية لا تضرها السياسة وإنما يضرها التسييس»، وأردف: «دخلت إلى أحد المطاعم وكانت اللافتات التي تحمل أسعار وأنواع المأكولات باللغة الفرنسية، فقلت لهم اكتبوا تحتها (الشعب التونسي.. شعب حر)».. وتابع: «... أردت أن ألفت انتباههم إلى الاحتلال الحقيقي والهيمنة الثقافية الحقيقية التي لم تتحرر منها تونس حتى اليوم».