التكية المولوية..تحفة تاريخية أثرية مصرية

بنيت في القاهرة القديمة قبل 400 سنة

صورة لمجمع التكية من الخارج («الشرق الأوسط»)
TT

في حي الحلمية بمدينة القاهرة القديمة، تلك المنطقة الزاخرة بالعمارة الإسلامية حيث المساجد التاريخية والأسبلة والكتاتيب والتكايا من مختلف العصور، وبالتحديد في شارع السيوفية، تقبع «التكية المولوية». إنها المكان الذي يجمع بين جنباته أهم تراث المولويين والطرق الصوفية عموما، والذي يعد الوحيد من نوعه في مصر.

يرجع المؤرخون إنشاء التكية إلى العثمانيين، وكانت تستخدم ملجأ لمن لا عائل لهم ولا يقدرون على الكسب كالأرامل من النساء وكبار السن، بالإضافة إلى الفقراء وعابري السبيل. ومع انتشار الطريقة المولوية اتخذ أتباعها التكية مكانا للذكر وغيره من الممارسات الصوفية المرتبطة بهم.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن التكايا في مختلف البلدان الإسلامية تتشابه عموما في تميز واجهاتها المعمارية الفنية اللافتة للنظر. وفي ما يخص مبنى أو مجمع التكية المولوية في مصر فإن واجهته تجمع ما بين الطرازين العثماني والمملوكي. وهو من حيث غرفه، يضم ثلاث قاعات: الأولى يطلق عليها مسمى «قاعة السمع خانة» أو «مسرح الدراويش»، والثانية هي مدرسة سنقر السعدي، أما الثالثة فعبارة عن أثر يطلق عليه «أثر يشبك».

وللتعرف أكثر على هذا الأثر التاريخي، زارت «الشرق الأوسط» مبنى التكية وجالت في أقسامه. وكانت قاعة «السمع خانة» أو «مسرح الدراويش» أول الأقسام التي دخلناها وهو مخصص لأذكار المولويين، ويتكون من منصة خشبية مستديرة تتوسطها دائرة بلون مغاير للون المنصة ويحيط بها «درابزين خشبي» له بابان لدخول الدراويش وخروجهم قبل وبعد تأديتهم الذكر المولوي، وأما الطابق الثاني منه فهو عبارة عن سلم خشبي يؤدي إلى مساحات غير منتظمة جرى تخصصيها لجلوس الجمهور والمشاهدين، ومنها مكان مخصص للنساء يغلق عليه باب خشبي، ويحجبه عن الجمهور حجاب من الأخشاب المشكلة بطريقة التقاطع.

وتتوسّط المسرح من السقف قبة تعتبر من أهم العلامات المميزة للتكية، فهي مقامة على اثني عشر عمودا خشبيا يحوي كل واحد منها اسما من أسماء الأئمة الاثني عشر عند الشيعة المسلمين، وتليها مناطق مستطيلة تضم كتابات تراكمية بحروف عربية. أما باطن القبة فقد زخرف بمناظر طبيعية عبارة عن عمائر وأعلام تركية وزخارف نباتية وعدة رسوم معبرة عن الفلسفة الصوفية التي تقوم عليها الطريقة المولوية، وكذلك هناك دوائر ترمز إلى الأيام الستة التي خلق الله فيها الكون وأخرى ترمز إلى الزمن الإلهي المطلق، إلى جانب الطيور المحلقة في السماء وهي ترمز إلى تحرر النفوس من المادة وقيودها والانطلاق إلى السماء.

ثم في الجنوب الشرقي من قبة «السمع خانة»، تقع حجرات التكية التي تنقسم بدورها إلى جزءين رئيسيين، الأول مكون من طابقين، يحتوي الطابق الأرضي منهما على ثماني غرف مربعة ذات أسقف خشبية، ويضم الطابق الثاني أيضا ثماني غرف شبه مربعة مختلفة من حيث المساحات والأغراض.

ومن القسم الأول انتقلنا إلى القسم الثاني، وهو مدرسة سنقر السعدي. وهذه المدرسة التي تربط بها صفحات عديدة من التاريخ المولوي، أنشاها شمس الدين سنقر السعدي، نقيب المماليك السلطانية في عام 721هـ (1321م)، كما هو مُسجل بالشريط الكتابي الموجود في قبة المدفن الموجود في المكان.

ولدى النظر في أنحاء المدرسة يلفت الزائر في وسطها الصحن المكشوف الذي لم يتبق منه سوى فسقية مياه (أي نافورة). وعلى جانبي الصحن من الجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية توجد بقايا غرف مربعة صغيرة يعتقد أنها كانت مخصصة لإقامة الأرامل والمطلقات، بالإضافة إلى أربعة إيوانات، من أبرزها الإيوان الشمالي الغربي المنفتح على الصحن والمشيد على الطراز العثماني، وفي أرضية هذا الإيوان توجد تركيبة خشبية لآخر مشايخ المولوية وهو الشيخ محمد غالب درة المتوفى 1334هـ (1915م).

وعلى الرغم من أن معظم القاعات داخل التكية جرى ترميمها على يد خبرات إيطالية، فإن عددا آخر من القاعات ما زال بانتظار الترميم وأعمال الإصلاح، ومنها «أثر يشبك» ومئذنة مدرسة سنقر السعدي التي تشبه مئذنة نجم الدين أيوب، ويُقال إنها تشبه مآذن بلاد الشام.

وعودة إلى تاريخ تشييد هذه التكية، الذي اختلف حوله المؤرخون، فلقد عُثر على وثيقة تؤكد أنها أُنشئت قبل 400 سنة، وهذه الوثيقة، المؤرخة بعام 1005هـ (1596م)، عبارة عن وقفية خاصة بأجور بعض العاملين في التكية وفي قاعة الذكر مثل أجور العازفين على الناي والدفوف.

وأخيرا، ما يستحق التنويه أنه منذ نحو أربع سنوات شهدت التكية آخر الحفلات التي عقدتها مجموعات المولوية، وحضرتها شخصيات ثقافية بارزة من بقاع مختلفة من العالم، لكن في الفترة الراهنة تستضيف التكية ندوات تعقد داخل قاعة «السمع خانة» تحت إشراف وزارة الدولة لشؤون الآثار، مخصصة في معظمها لتنمية المهارات العلمية والمهنية للعاملين في مجال الآثار.