«بيت الوكيل».. من مقر لـ«شركة الملاحة البريطانية للهند الشرقية» إلى متحف ومطعم بدبي

الأول في نوعية مهامه وبطرازه المعماري في الإمارة

«بيت الوكيل».. معلم تراثي وسياحي يحمل عبق تاريخ دبي ويطل على خورها الشهير («الشرق الأوسط»)
TT

على ضفاف الخور، وبإطلالة مباشرة من وسط منطقة «السوق الكبير» في بر دبي، يقع واحد من أهم مباني إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وهو في الواقع أول مبنى إداري مكتبي في الإمارة، إذ شيد في عهد الشيخ الراحل سعيد بن مكتوم آل مكتوم عام 1934.

إنه «بيت الوكيل» الذي ما كان في الماضي يخرج أو يدخل أي مركب أو سفينة من وإلى دبي من دون المرور به. وحسب المصادر التاريخية، شيد البيت كمقر لوكيل «شركة الملاحة البريطانية للهند الشرقية»، وكان لفترة المكان المولج بالشؤون البحرية الخاصة بتصاريح المراكب وما إليها، وبعد خروج البريطانيين استغل البيت لبيع تذاكر السفر للمسافرين بحرا عبر المراكب.

إلى ذلك، يروي سكان المنطقة أن شركة «غرين ماكينزي» البريطانية للبواخر، التي كانت تعمل في دبي منذ عام 1916 كوكالة تجارية للبواخر على خط الملاحة بين الهند والبصرة، هي التي شيدته بعدما قدم لها الشيخ سعيد آل مكتوم - وهو والد الشيخ راشد بن سعيد، وجد الحاكم الحالي الشيخ محمد بن راشد - في عام 1934 قطعة الأرض لتبني عليه مقرا لها. ومن ثم بعد إنجاز البناء جعلت الشركة مكاتبها في الطابق الأول وخصصت الطابق الثاني مسكنا لوكيل الشركة، وكان الناس يقصدون المكان لتخليص أعمالهم لدى الوكيل، ومن ذلك التاريخ عرف المبنى بـ«بيت الوكيل» الذي شهد توقيع معاهدات واتخاذ قرارات بين جدرانه وتحت سقفه عبر الزمن.

هذا المبنى المطل على الخور والمشرف على السوق الكبير من الجهة الجنوبية، تجاوره مجموعة من المباني التجارية من جهتيه الشرقية والغربية، تكمن أهميته ليس فقط لجهة دوره الوظيفي التاريخي، بل أيضا لعناصر تصميمه المعماري الذي جاء منسجما بشكل مثالي مع وظيفته في زمنه. وهذا ما أدخل اسمه حقا صفحات التاريخ العمراني، وكان يومذاك بين معالمه المعمارية الأبرز البرج العلوي فوق سطحه المخصص لمراقبة حركة السفن. أما الآن، بعد أعمال الترميم التي أخضع لها بهدف تجديده بالكامل، فها هو المبنى يفتح أبوابه كمتحف بحري ومطعم يشهد على تراث دبي البحري العريق.

لقد شرعت بلدية دبي في أعمال ترميم «بيت الوكيل» عام 1994. وشملت الإجراءات الترميمية أعمال تقوية أساسات المبنى بإقامة جدران محيطة مع ترميم وربط الشروخ بالجدران. كما جرى تجديد الأسقف بأسلوب الإحلال، فأزيلت الشنادل الخشبية ومن ثم جرى تنفيذ طبقات جديدة للأسقف. وحرصا على احتفاظ المبنى بالطابع التقليدي، روعي أن يستخدم في أعمال الإنهاء والتشطيب والأرضيات الجص والصاروج، وهو نوع من الطين الأحمر المحلي عادة ما يصار إلى خلطه بروث البقر ليصبح أشد مقاومة.

وإلى جانب تأهيل المبنى معماريا، استحدثت البلدية وظيفة معاصرة له تعبر خير تعبير عن أهمية النشاط البحري في تاريخ إمارة دبي وتراثها، إذ تقرر استخدام المبنى متحفا للغوص أيضا، وذلك من خلال توزيع الفراغات والمعروضات اللازمة لاستغلال مختلف مزايا المبنى ليصبح مصدر جذب للزوار.

ومن الأهداف المرجوة التي اعتمد من أجلها مشروع ترميم «بيت الوكيل»، الرغبة بتحسين واستكمال الإطلالة البصرية للسوق التقليدية ببر دبي على الخور، بالإضافة إلى تحقيق غاية الحفاظ على المباني التاريخية المتبقية المطلة على الخور المتميزة بالطابع التقليدي. وفي هذا الصدد، تحدث المهندس رشاد بوخش، مدير إدارة التراث العمراني لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «إن عملية ترميم المشروع أثرت بشكل إيجابي على الصورة البصرية لواجهات الخور، فلقد ساعدت على إدراج مجموعة المباني المجاورة له في خطط الترميم والتأهيل، إلى جانب تطبيق خطط مرحلية لتجميل واجهات المباني المجاورة لتتلاءم مع الطابع التقليدي العام، الأمر الذي نتج عنه فوز بلدية دبي بجائزة منظمة المدن العربية للحفاظ العمراني».

وبالفعل، بعد الترميم، أصبح المبنى واحدا من المتاحف الشعبية التي تصور بصدق الصيد البحري التقليدي وغيره من ملامح التاريخ والثقافة في دبي. ولا بد أن موقف «العبارات» («المعديات» أو «التاكسي المائي») ساعد كثيرا على إنهاض «بيت الوكيل» وما يحيط به في المناطق المجاورة والمطلة على الخور، وسهل عملية الوصول إليها.

من جهة ثانية، أبدى أحمد محمد الرفيع، مدير المطعم التابع لـ«بيت الوكيل» سعادته واعتزازه بـ«النجاح في تحويل المبنى القديم إلى مطعم تراثي يقصده السياح وسكان الإمارة على مدار العام»، وذلك بمساهمته المتواضعة في إنهاض تراث دبي العريق من خلال مشروع كهذا يصفه بأنه «نقطة في بحر المشاريع السياحية التي تزخر بها دبي».

والواقع إن استثمار «بيت الوكيل» كمطعم حوله إلى محطة سياحية تعبق في حناياها رائحة قرابة 78 سنة من رطوبة الخور والتاريخ والتجار الذين توقفوا في المكان بهدف استئجار السفن لنقل بضائعهم من الهند إلى البصرة ذهابا وإيابا.

وبلمسات جمالية خاصة، زين المكان بمفروشات مصنوعة من خشب الخيزران العتيق وبالتحف وبقطع من «الأنتيكا» وبعدد من اللوحات الفنية وبفوانيس قديمة تلائم تاريخه. وبات زوار هذا البيت يقصدون المكان بمختلف جنسياتهم كمحطة يجمعون فيها متعة الاطلاع على تاريخ الإمارة التجاري، إلى متعة تناول المأكولات البحرية الشهيرة في دبي على ضفة الخور، حيث لا تهدأ حركة السفن والعبارات، بمستوى راق من خدمة الضيافة.