تقاليد جميلة لموسم جمع الزيتون في تونس

شاي طوال النهار وأهازيج عند العودة من البساتين

تحضير الفرش والسلالم في عملية جني الزيتون بتونس («الشرق الأوسط»)
TT

على قارعة الطريق وقفت مجموعات من الرجال والنساء من أعمار مختلفة، دفعنا الفضول لمعرفة سر تجمعهم، خصوصا، أن حالتهم الرثة والبساطة بدت واضحة على ملامحهم، مما جعلنا نستبعد فكرة أن يكونوا من المهتمين بالاعتصامات والمظاهرات التي اعتادتها تونس في الآونة الأخيرة.

كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا حين تقدمت «الشرق الأوسط» من بعض هؤلاء الأفراد لتسألهم عن سبب وقوفهم وبأيديهم طعامهم في سلال وقفاف، فأفادوا بأنهم بانتظار سيارات تقلهم إلى غابات الزيتون، لأن موسم الحصاد بدأ.

والواقع، أنه رغم ابتداء موسم جني الزيتون في تونس كعادته في بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، فإنه يستمر حتى شهر فبراير (شباط) المقبل، وكلما تأخر الفلاحون في جني محاصيلهم زادت نسبة الزيت المستخرج من الزيتون، وهو ما يؤكده الخبراء والفلاحون وأصحاب معاصر الزيت.

وبالفعل، لم تمض نصف ساعة حتى جاءت سيارات وشاحنات ونقلتهم إلى غابات وبساتين الزيتون، بعضها في صفاقس وبعضها الآخر في مناطق الساحل، والباقي في القيروان. وهنا، اقتربنا من أحد سائقي الشاحنات يدعى نور الدين، وسألناه عن عمله، فقال: «أعمل سائقا مع فلاح في مدينة سوسة (تبعد 140 كلم عن العاصمة من جهة الساحل الشرقي) منذ 8 سنوات وأنقل المحاصيل إلى المخازن وإلى أسواق الجملة. وفي موسم جني الزيتون أنقل العمال من عدة مناطق إلى السانية (البستان) وأعيدهم إلى منازلهم مساءً، ثم أنقل أكياس الزيتون إلى المعصرة وأعود بالزيت الذي تم عصره في ذلك اليوم إلى المخازن لبيعه لديوان الزيت أو التجار».

للتعرف على مراحل جني الزيتون زرنا أحد البساتين، وهناك وجدنا الفلاحين وقد بدأوا عملية الجني من أقصى زيتونة في البستان الذي تحده صفوف التين الشوكي - أو التين البربري أو الصبير - على مختلف التسميات. وفي وقت الاستراحة، قابلنا الفلاح عمر الحمودي واستعلمنا منه عن آلية الجني وتفاصيلها، فأجاب قائلا: «قبل بداية موسم جني الزيتون، نعد الفُرش والصرارف (السلالم) والأكياس، وأفضل أنواعها الكتان. ومن ثم نرسل من يبحث لنا عن عمال في المناطق القريبة، وأحيانا البعيدة لا سيما من المناطق الداخلية، ونحن نتكفل بنقلهم من وإلى أماكنهم مساء كل يوم».

وحول ما إذا كان جني الزيتون يتطلب مهارات خاصة، أفاد: «لا يتطلب جني الزيتون مهارة كبيرة، إذ يمكن لأي إنسان أن يتعلم كيفية جني الزيتون في غضون لحظات»، وهنا أشار إلى أنهم ينقلون السياح أيضا في بعض الأحيان إلى مناطق جني الزيتون ويسمحون لهم بالمشاركة في عملية الجني من باب التسلية، على حد وصفه، وتابع: «كما لدينا عمال من حملة الشهادات يقومون بجني الزيتون لأول مرة».

وبحسب ما أخبرنا به الحمودي، فإنه «عادة ما تبدأ عملية جني الزيتون في الصباح الباكر، أي في حدود الساعة السادسة أو السابعة وأحيانا الثامنة صباحا، وتستمر حتى آذان المغرب في حدود الساعة الخامسة وأحيانا الرابعة والنصف مساء. ولدى وصول العمال صباحا، فإنهم يفرشون أرضية الزيتونة بالفرش، وهي قطع من القماش الغليظ يشبه أغطية الشاحنات، وينصبون الصرافة (سلمان مرتبطان من أعلى)، وبعدها مباشرة يجنون الزيتون عن طريق الأمشاط».

عادات موسم جني الزيتون اختلفت على مر الزمن. وبدوره أوضح الخبير الفلاحي، توفيق العياشي، ما الذي تغير من تقاليد، فقال: «كان الفلاحون في السابق يجنون الزيتون بقرون الكباش، لكن هذه العادة لم تعد قائمة في معظم غابات الزيتون»، مضيفا: «وفي حالة الغابات التي يسكن أصحابها داخلها، لا يحتاج عمال جني الزيتون لجلب طعامهم معهم، إذ يقوم الفلاحون بإعداد العصيدة التونسية (حلوة محلية) بزيت الزيتون والتمر وتقديمها صباحا إلى العمال. وفي منتصف النهار يقدم لهم الغداء الذي قد يكون خبزا مع المرق أو الكسكسي في الغالب، وهذه من التقاليد التي بدأت تغيب شيئا فشيئا مع انتقال ملاك الأراضي للمدن، أو ظهور الفلاحين الجدد الذين يتعهدون غابات الزيتون المملوكة للدولة من الحكومة».

لعملية جني الزيتون، كما أخبرنا العياشي، يستخدم الفلاحون في تونس وكذلك العمال، أَرَث ما لديهم من ألبسة شتوية، وذلك لحتمية اتساخ الملابس بمرجين الزيتون (أي السائل الذي يخرج من حب الزيتون)، ولذلك يطلق عليهم في تونس اسم جماعة زواولية (بتشديد الميم ونصبها) وهي تعني الفقراء.

ولكن في المقابل – كما ذكر العياشي – هذا لا يمنعهم من إبداء الفرح والتمتع بترديد النكات والغناء.. إن غابات الزيتون تتحول إلى مهرجانات شعبية تتردد فيها الأهازيج ولا ينزل فيها إبريق الشاي من الكانون على الجمر إلا عند صب الشاي في الكؤوس الصغيرة.. وعند العودة إلى البيوت يتحدث الجميع عما حصل أثناء عملية الجني، بل يستمر ذلك إلى ما بعد موسم جني الزيتون».

ومن بين الطرائف التي يرددها أحد العاملين في البساتين، روى سعد طروش لنا قصة حدثت معه فقال إنه ذهب لجني الزيتون لدى صاحب مزرعة يملك فندقا، وكان يأتي بالطعام من الفندق وفي الغالب كان الطبق عبارة عن معكرونة «لكننا ما كنا نستطيع حمل المعكرونة بالشوكة لمدة يومين، حتى كاد الجوع أن يهلكنا، ولقد شعر صاحب البستان بذلك مما دفعه إلى تعليمنا كيف نأكلها بأن نلف الشوكة، ولا زلنا نضحك على أنفسنا ونضحك غيرنا حتى الآن».