فندق «فيلا دو فرانس» في طنجة يفتح أبوابه من جديد

بعد 20 سنة من إقفاله وترميم بتكلفة 12 مليون يورو

«فيلا دو فرانس».. الفندق العريق يعود لإلهام الفنانين («الشرق الأوسط»)
TT

شكل هذا العام حدثا مهما بالنسبة لسكان مدينة طنجة الساحلية المغربية ولكثرة من السياح الباحثين عن التميز والاستثنائية في رحلاتهم، إذ أعيد فتح فندق «فيلا دو فرانس»، الذي اعتبر طويلا أحد أفخم الفنادق العالمية من فئة «5 نجوم» على مدى قرنين، وذلك بعدما ظل مقفلا نحو عقدين من الزمن.

الفندق ذائع الصيت، الشهير بحدائقه ونخيله ومسبحه وإطلالته الرائعة على شاطئ البحر، إلى جانب علاقته الحميمة مع كبار الفنانين العالميين، كان قد أغلق أبوابه عام 1992 بداعي الترميم. ولعل من حسن طالع مقدري هذه التحفة المعمارية التراثية، أن بلدية مدينة طنجة صنفت الفندق كـ«موقع تاريخي وأثري لا يجوز المساس به عام 2003».

وحقا، على ألوان لوحات الرسامين الفرنسيين العالميين الشهيرين أوجين دولاكروا وهنري ماتيس، اللذين عاشا في الفندق ردحا من الزمن فيه وتركا بصماتهما على جدرانه ومعماره وروحه، استقبل الفندق زواره الجدد الذين حظوا بفرصة زيارة غرفة الفنان ماتيس ذات الرقم 35 بعدما غدت متحفا صغيرا يقصده السواح من أنحاء العالم.

«فيلا دو فرانس».. ذلك المبنى الأثري الجميل يختزل في الواقع كل تاريخ طنجة وآثارها الفنية، بدءا من الفن الفينيقي وزخرفة الفسيفساء ومرورا بمختلف الفنون الفرنسية، وانتهاء بالاتجاهات العصرية ومنها ما يتصل بالتصاميم الأندلسية المغربية.

لقد كان الـ«فيلا دو فرانس» في الأساس مقر سكن القنصل الفرنسي قبل أن يتحول إلى فندق، غير أن الهيمنة الإسبانية عملت على تهميش هذا الأثر الفرنسي العريق. ولقد ارتبط اسم الفندق – كما سبقت الإشارة – بالرسامين الفرنسيين الكبيرين دولاكروا وماتيس. ففي عام 1832 مكث دولاكروا فيه وكان يومذاك يعد من الفنادق الفخمة جدا. وعام 1900 جاء دور ماتيس، الذي يعتبر أشهر الرسامين الذين مروا في طنجة، لأنه قاد تيار الانطباعية في أوائل العشرينات من القرن الماضي، وأطلق على مدينة طنجة «جنة الرسام». ولقد استوحى ماتيس كثيرا من ألوان لوحاته من شمس المغرب الساطعة، وألوان الفن المغربي التقليدي، وبدا ذلك جليا في 20 لوحة ورسمة تقريبا من أعماله التي أنجزها أثناء إقامته في طنجة، إلى جانب أنه اكتشف خطوطه التجريدية وصلته بالطبيعة المباشرة في هذه البقعة بالذات.

وكان ماتيس يجلس يوميا يتأمل المدينة من نافذة غرفته في الفندق، مخلدا حياتها في لوحاته التي بلغت أسعارها الملايين من الدولارات واليوروات. ناهيك عن رسمه شخصية نسائية معروفة في المدينة هي «زهرة»، كما رسم النساء الريفيات اللواتي يجلسن تحت زرقة سماء طنجة.

وإلى جانب جذب الـ«فيلا دو فرانس» الفنانين الكبار، فإنه كان أيضا موضوعا للتأليف والكتابة. إذ كتب المؤرخ الاجتماعي تيرينس ماكارثي كتاب «غرفة بمنظر: تاريخ فندق فيلا دو فرانس»، مستوحيا عنوانه من اسم لوحة ماتيس التي اشتهرت بالاسم ذاته. وقد ألف الكاتب كتابه من خلال ما كانت تنشره مجلة «طنجة غازيت» من وصف لحياة رواد الفندق الذين كانوا يتوافدون من مينائها الشهير عندما كانت «مدينة دولية» تطبق معايير المنطقة الحرة.

إلى ذلك، حرص المسؤولون عن ترميم الفندق وتهيئته للاستخدام على إعادة تأهيل غرفة ماتيس ذات الرقم 35 التي اعتاد أن يستأجرها لكي يرسم مناظره الشهيرة، وخاصة لوحة «منظر من النافذة» التي أبهرت ألوانها الفرنسيين.

على صعيد آخر، صرح هشام محمد سعيد الجمعة، المسؤول عن الفندق لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه، أن عمليات الترميم «واجهت كثيرا من المصاعب، منها مشكلة السقوف الآيلة للسقوط، وكذلك الأعمدة الأساسية، وهو ما فرض على المرممين صب أعمدة من الخرسانة (الإسمنت) داخل الأعمدة القديمة التقليدية مما أتاح لهم بذلك المحافظة على الأعمدة الأصلية وأشكالها. كذلك جرى تدعيم كتلة البناء تحت الأرض». ثم أضاف «وبما يتعلق بالسقوف الخشبية التي سقطت، عمد المهندسون إلى صب شبكة خرسانية تعوض عن تلك السقوف الهشة. وبفضل هذه الخطوات الهندسية، حافظت عمليات الترميم على الشكل الأصلي لهذا البناء الفريد من نوعه، لأنه حقا يشكل هوية المكان ويعبر عن روح عمارته في ذلك الوقت». وبحسب هشام، استغرقت علميات الترميم نحو خمس سنوات وكلفت مبلغ 12 مليون يورو.

أما ما يخص الديكور الداخلي، فلقد أخبرنا مسؤول الفندق، أنه «روعي في تصميم المفروشات أن تكون كما كانت في الماضي، بنقوشها وزخارفها، وكذلك مكتب الاستقبال الذي يعود إلى عام 1870 مع إبراز أشكال أوراق الزيتون والتين، التي استوحيت من لوحات ماتيس. أما موديلات وطرز الأثاث والكراسي والطاولات والخزائن (الدواليب) فلقد استخرجت أشكالها من تحت الأنقاض الأرضية في الغرف المتهدمة والمكسوة بالتراب، وأعيد تصنيعها في مصانع متخصصة بمدينة مراكش في غضون خمسة أشهر، بالإضافة إلى قاعة الاستقبال والمطعم وشكل البانيو (المغطس) في الحمامات وحنفيات (صنابير) المياه التي طليت بالذهب وكذلك مقابض الأبواب ومزاليجها. كما عثر على الشعار القديم للفندق المرسوم على السكاكين والملاعق والصحون وكلها كانت مدفونة تحت الأرض، وأعيد رسمها من جديد لكي يحافظ الفندق على خصوصياته الأصلية كما كان قبل قرنين».