أكثر من150 شاهدا على إعدام الطفولة في العراق، رتبت داخل مكان واسع وأنيق، لتعرض أغرب وأقسى حالات البؤس والقسوة والضياع والتشرد التي يعانيها الملايين من الأطفال في السنوات العشر الأخيرة، في عموم المحافظات العراقية أمام تجاهل الجهات الحكومية، والتي أبرزها مصورون عراقيون فضلوا الاحتفاء بعيدهم السنوي هذا العام عبر تنظيم مسابقة تتناول قصة الطفولة العراقية.
«المعرض الباكي» كما اسماه رواده.. ومسابقة الصور الحزينة نظمتها الجمعية العراقية للتصوير، على إحدى قاعات وزارة الثقافة العراقية، بمشاركة 59 مصورا عراقيا من بغداد والمحافظات، وحمل شعار «الطفولة عدسة الحياة ومرآة المستقبل» وهي ذات المرآة التي قصدها رئيس الجمعية، المصور الفوتوغرافي هادي النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» وهو يقول: «نحاول اليوم أن نكون مرآة واضحة لحال الطفولة المشردة في البلاد، عسى أن تصل رسالتنا لمن يعنيهم الأمر».
وأضاف: «أننا نعرض شواهد إعدام الطفولة في عقر دار الدولة، وأمام أنظار المسؤولين لأجل وضع حد لمعاناة الطفولة، والصور وحدها كافية لتحكي قصة مأساتهم، وحرمانهم من أبسط شروط الحياة الكريمة في بلد الثروات والخيرات، فالصور تتحدث عن أطفال مشردين ومتسولين أو عاملين في مهن شاقة ووسط أكوام النفايات».
وأكد: «صور المعرض السنوي هذا العام تميزت بكونها متخصصة في محور واحد، عكس الأعوام الماضية، إذ كانت تدور في محاور متعددة، واتفق الجميع على أن تكون الطفولة العراقية هي المحور كي يكون الهدف واضحا والرسالة أكثر قدرة على أن تصل للجميع».
وعن دور الدار المعنية بشأن الطفولة في العراق، دار ثقافة الطفل، التابعة لوزارة الثقافة، ورأيه بالصور المعروضة، قال الفنان عبد الرحيم ياسر مساعد مدير عام دار ثقافة الأطفال خلال حضوره المعرض: «المعرض شاهد كبير على بؤس الطفولة ومعاناتها خصوصا في السنوات الأخيرة، لكن حماية الطفل مسؤولية جميع المؤسسات الحكومية، وهناك تقصير واضح من قبلها ولا نغفل أن دار ثقافة الأطفال مقصرة هي أيضا في هذا الجانب، وهي في العادة تركز جهدها نحو تهيئة إنتاج ثقافي للطفل.
وأكد: «الطفل العراقي يعاني مشاكل جمة ونقصا هائلا في كل الخدمات التربوية والحياتية والاجتماعية والأسرية، على الرغم من أن كل التقارير الإحصائية الصادرة تؤكد أن المجتمع العراقي مجتمع شاب، أكثر من نصف سكانه من الأطفال واليافعين ولذا يجب علينا تركيز الجهود والخطط لأجل نشأتهم بالطريقة الصحيحة».
ولفت إلى أهمية أن تولي منظمات المجتمع المدني والإعلاميين والمثقفين دورهم لأجل الطرق على رؤوس المسؤولين والحكومة العراقية لتحسين دورها تجاه الطفل ومعالجة المشاكل التي تواجهه؛ لأننا من دون أطفال أصحاء ومعافين لا نقدر أن نضمن مستقبلا حقيقيا وأمنا في البلاد.
المعرض السنوي، شهد حضورا متميزا من قبل حشد واسع من المصورين العراقيين، معظمهم مشارك فيه وآخرون فضلوا التجوال والاطلاع على الصور، لكن الملاحظ هو شح المصورات المشاركات، ولما تحرينا الأسباب عرفنا أن صعوبات جمة تواجه عمل المصورة الميدانية أهمها رفض قوات الأمن التصوير والمطالبة بكتب صادرة من الداخلية والجيش، في حين ترفض الأخيرة تزويدهم بها.
المصورة مها حسين، طالبة في معهد الفنون الجميلة، قسم سمعية ومرئية فرع التصوير ومشاركة في المعرض، عبرت عن سعادتها بالمشاركة وسط مصورين ومحترفين كبار، لكنها تحدثت عن معاناتها في التقاط الصور بسبب منع الجهات الأمنية والحكومية لذلك، إضافة إلى نظرة المجتمع التي لم تزل قاصرة إلى هذه المهنة وتعدها مهنا رجالية فقط! واجتهد المصور الصحافي أدهم يوسف أحد المشاركين في المعرض، بالتقاط صور تحكي معاناة الطفولة وحرمانها من المعيل، وامتهان الحرف الصعبة والشاقة، وقال لنا: «اشتركت بثلاثة أعمال، بحسب إدارة المعرض، جسدت صورا لطفولة ضائعة ومشردة، واخترتها من بين صور كثيرة التقطتها خلال السنوات التي تلت عام 2003».
رئيس اتحاد المصورين العرب المصور صباح الجماسي قال: «المعرض يضم التقاطات ذكية جدا، وقدمت الطفولة وواقعها الذي ترزح فيه، وهو يفتقر لأبسط شروط العيش الكريم هو واقع غائب عن معظم الساسة والمعنيين بشأن الطفل.
وأظهرت آخر إحصاءات منظمة اليونيسيف المعنية برعاية الطفولة في العراق والعالم، أن هناك خمسة عشر مليون طفل عراقي بحاجة إلى تطوير واقعهم التعليمي والصحي والنفسي، كما كشفت وكالات ومنظمات دولية أخرى عن وجود خمسة ملايين طفل عراقي يتيم، وأكثر من مليون آخرين لم يستطيعوا إكمال الدراسة، أو لم يذهبوا إلى المدرسة أصلا بسبب العنف والتشرد والفقر.
وكانت وزارة حقوق الإنسان العراقية أعلنت، في 22 أغسطس (آب) 2011، أنها تستعد لإكمال تقرير يسلط الضوء على واقع الطفولة في البلاد تمهيدا لتسليمه إلى مجلس حقوق الطفل في الأمم المتحدة قبيل نهاية العام، مبينة أنه أعد بمشاركة 12 وزارة عراقية لإبراز حقيقة المعاناة التي يعيشها الطفل في البلاد.