لبناني يحول المياه إلى منحوتات جليدية عجيبة وغريبة

مدرجا هذا المفهوم في الزخارف النباتية بطريقة مهنية

النحت على الثلج.. فن جديد بدأ يزحف بشكل خجول الى لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

تحفة فنية عمرها محدود، لكن قيمتها وروعتها لا تفارقان الذاكرة بسهولة، وذلك بعد أن تأسر الناظر روعة بلورات الجليد، ولا سيما عندما تسطع من خلف الأضواء.

هنا نحن بصدد حركة إبداعية، قل نظيرها في العالم العربي، يمثلها فن جديد بدأ يزحف إلى لبنان بشكل خجول، لكنه يبهر بأشكاله المميزة والغريبة. إنه نوع من أنواع النحت على الجليد أو الثلج يبدو للناظر لأول وهلة أنه أمام تحفة منحوتة من الكريستال أو من الزجاج الراقي، أراد صاحبها بعدما تخطت عنده حدود الهواية لتصبح مهنة يعشقها بأدق تفاصيلها، أن يقدم جديدا إلى الفن في للبنان.

روني محفوظ، نحات الجليد المبدع، قال لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في محترفه «أنا لست نحاتا، بل مخترع ومبتكر.. هذه التقنية الجديدة لاحظتها أول ما لاحظتها في أوروبا، ومنذ ذلك الحين تملكني الشغف في نقلها إلى لبنان للمرة الأولى، ورغم خوف العائلة من مغامرتي، أصررت على الدخول في هذا المشروع الجديد في السوق اللبنانية».

وتابع روني كلامه فقال: «لقد أردت أن أطور بأسلوبي ما بدأته عائلتي منذ ثلاثين سنة مع عالم الزهور وبالذات الورد. وبالتالي، كان هدفي أن أدخل جديدا على المهنة لكن بطريقة مبتكرة، فلجأت إلى إدراج مفهوم الجليد في الزخارف النباتية بطريقة مهنية.. مستعينا بآلات أوروبية ضخمة لتلبية احتياجات الأفراد والطلبيات الكبيرة».

في محلة فرن الشباك، الواقعة شرق وسط العاصمة اللبنانية بيروت، محفوظ ابن الـ37 سنة زائريه في شركة «360 آيس» بترحاب دافئ يناقض برودة يده التي اعتادت التعامل مع الجليد. وما إن يجتز الزائر البوابة السوداء الضخمة حتى يقع نظره على حديقة جميلة تبهج النفس، أرادها روني أن تكون متميزة وفريدة، كيف لا وهو ابن عائلة عملت طيلة ثلاثين سنة في مجال الزراعة والزهور والمشاتل.

ولدى دخول المحترف أو المصنع تنتصب واجهة من الزجاج تضم مجموعة من المنحوتات الجليدية يخالها من يراها من الكريستال، وفي غرفة مجاورة آلات متراصة متلاصقة، منها آلة تستخرج الأكسجين من الماء لكي يبدو شفافا ولامعا ونظيفا، وأخرى تحول الماء إلى مكعبات من الثلج، في حين تتربع القوالب الجميلة على الرفوف، منها: المزهريات (الفازات) والشمعدانات والسيارات والخيول والقيثارات والبجع وغيرها من الأشكال داخل صالة العرض الزجاجية، التي لا يسمح بأن تعلو درجة حرارتها عن 15 درجة مئوية تحت الصفر.

في هذا المكان المثلج لا بد من ارتداء القفازات والمعطف المضاد للماء للبدء بالمهمة التي قد تستغرق أربع ساعات لنحت مجسم واحد. وأحيانا ينكسر الجليد إلا أن روني محفوظ يعيد المحاولة بلا كلل أو ملل، وبعد الانتهاء منها يضع المجسم المنحوت على قاعدة مضاءة تضفي على الجليد لمعانا ولونا. وقال لنا روني إن المنحوتات الثلجية والجليدية «تتجمد بأشكالها وألوانها، وتحافظ على روح الأزهار المقيمة في داخلها، وعلى السلع التجارية المتجمدة داخل الجليد.. بانتظار إعلانها في مناسبات مختلفة، مرفقة بإضاءة مذهلة. وهي تدوم فترة لا تقل عن 6 ساعات.. لتبدأ بعدها بالذوبان».

اللافت أن روني محفوظ لا يعتمد فقط على قوالبه إنما ينحت أشكالا أخرى يطلبها الزبائن منه لتزيين منازلهم أو حفلاتهم أو مناسباتهم كالأعراس وسهرات رأس السنة. وحقا ينسجم عمل - من لم يدرس فن النحت أساسا - مع فن الطاولة. وهو أنجز حتى اليوم مجموعة من التصاميم مع أن بعضها لم يكتب له الحياة. ثم لئن كان إنتاجه مخصّص لحفلات الزبائن في منازلهم فإنه يفضل وجود المكيّف (المبرد) ويهمه تجنيب أعماله أشعة الشمس المباشرة، كما أنه يحرص على وضع المظلات فوقها إذا كان الاحتفال في الهواء الطلق.

هذا، ومن إنجازات محفوظ «بار» من الجليد لشركة معلوماتية وفي داخله أربعة كومبيوترات نقالة أو «لابتوب»، وهنا كشف لنا عن أنه يمكن إدخال الكثير من المواد مع الثلج كالزهور والشوكولا والبوظة (الجيلاتي أو المثلجات) والملابس والشموع والزجاج.. وكل ما يحلو للزبائن الذين يقصدونه من داخل العاصمة وخارجها.

وردا على سؤال أجاب: «إننا نحرص على ترجمة رغبات كل من يريد أن يميز مناسباته عن غيره. هذه مهنة تشبه الخياطة المعروفة دائما بتقديم التصاميم الجديدة. واللبنانيون يعشقون ذلك.. ومعظم زبائني يبدون الدهشة والاستغراب حيال تصاميمي.. والأسف عند ذوبانها أيضا. أما عن الأسعار فهي تبدأ من 100 دولار أميركي للقطعة والحمد لله بات لدي فريق عمل كبير».

وحسب شرح روني محفوظ فإن كل كتلة (بلوك) من الثلج تحتاج إلى فترة 4 أيام لتتحول إلى جليد صلب. وهذا الثلج مصدره المياه المقطرة المصفاة والمنقاة من كل الشوائب. وهو غالبا ما يضطر إلى شحن الكتل من أوروبا وأميركا لأن موادها الأولية متوفرة هناك، شأنها شأن المعدات، وفي الحالتين يتحمل تكاليف الشحن العالية وهذا، كما قال: «عائق كبير، فضلا عن تكلفة تأمين الكهرباء من مولد خاص بالمصنع بهدف تأمينها على مدار الساعة».

معدل العمل لابن الـ37 سنة في حدود الـ17 ساعة يمضي معظمها واقفا، ويقوم بشكل منعزل بعملية فيزيائية كيميائية، علمته الصبر وطول الأناة، ويفرغ كل همومه في منحوتاته، التي يرافقها في حرارة 18 تحت الصفر اعتاد جسمه عليها، مع أنه يشتاق أحيانا لأشعة الشمس.

وعن «العدة» الخاصة التي يستخدم قال: «إنها تشبه عدة النجار، لكنها أكثر تقنية وخطورة، ومنها الشفرة التي تتولى نشر الثلج بسرعة 25 ألف دورة في الدقيقة». وتابع: «هنا تكمن الخطورة الكبيرة، لأن أي خطأ في هذه العملية قد يتسبب للعامل بخسارة أصابعه ما يستوجب منه الحذر واليقظة العالية».

وفي نهاية اللقاء، اختتم روني محفوظ كلامه مبديا أن «من يريد تحقيق طموح ما في لبنان عليه بالاعتماد على الذات.. وحتى اليوم لم أحصل على دعم لتصنيفي في وزارة الصناعة، وما زلت بحاجة إلى مساعدة بعدما رفضت الاغتراب وعدت إلى بلدي الأم منذ نحو السنة».