قردة الزعطوط في جبال الأطلس المغربية مهددة بالانقراض

ينتحر الواحد منها عندما يعاد إلى مجموعته بعد صيده

قرد «زعطوط» مع أحد السياح في ساحة جامع الفنا بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

بات نوع نادر من القردة يعيش في جبال الأطلس المتوسط بالمغرب، مهددا بالانقراض، بعدما تناقصت أعداده لتغدو بضعة آلاف فقط.

علميا، تنتمي هذه القردة إلى فصيلة «الماكاك» في حين يطلق عليها باللهجات الأمازيغية (البربرية) اسم «زعطوط». وهي تعيش فوق قمم جبال الريف في شمال المغرب، بجانب موطنها الرئيس في منطقة جبال الأطلس المتوسط في الوسط، ويعتقد أن تاريخها في المنطقة يعود إلى عصور موغلة في القدم.

ليس لهذه القردة ذيل، ولكنها من ناحية أخرى تتمتع بقابلية كبيرة على التكيف مع الظروف المناخية، سواء في فصل الصيف أو الشتاء حين تتهاطل الثلوج فوق جبال الأطلس المتوسط، وهي تعيش عموما نحو 20 سنة، ويتراوح وزن الذكر منها بين 16 و20 كيلوغراما والأنثى بين11 و15 كيلوغراما. ومن مميزاتها أن شعرها تغير خلال فصل الربيع، حين يكون بنيا وقصيرا ويتراوح طوله بين سنتيمتر واحد وسنتيمترين، وفي فصل الشتاء وخلاله يصبح لونها متدرجا من البني إلى الرمادي ويصل طوله إلى عشرة سنتيمترات، وهي تعتمد على هذا الشعر لحماية أجسادها خلال فترة الشتاء وموسم تساقط الثلوج.

من ناحية ثانية، تتوالد قرود «الماكاك» فصليا، بحيث تلد الإناث بعد كل ثلاثة إلى أربعة أشهر، وعادة ما تحدث عملية التوالد بعد بلوغ الذكر والأنثى على حد سواء ما بين أربع وخمس سنوات، وهي الفترة التي يطلق عليها العلماء مصطلح فترة «النضج الجنسي»، ويستغرق الحمل لدى الأنثى 210 أيام، ويزن الوليد نحو 700 غرام ويكون شعره أسود حتى يبلغ عمره سبعة أشهر.

هذا، وجاء في تقرير تعاون على إعداده جمعية المحافظة على قردة زعطوط بجبال الريف والمركز الجهوي للتوثيق ووزع خلال معرض نظم في مدينة طنجة (شمال المغرب) بهدف الحفاظ على قردة «الماكاك» خاصة في منطقة جبال الريف، أن هذا النوع من القردة بات مهددا بالانقراض بسبب عمليات الصيد المفرط الذي يمارسه بها الصيادون في المنطقة. ويذكر أن هؤلاء يبيعون هذه القردة بعد ذلك داخل المغرب إلى المروضين، كما يهربونها تهريبا إلى الخارج.

وأشار التقرير إلى أن نحو 300 من صغار «الماكاك» تصطاد سنويا، ومن ثم يصار إلى إما إلى بيعها وإما تهريبها إلى الخارج. وحذر التقرير من أن أعداد هذه القردة في تراجع مستمر مما أدى إلى تقلص أعدادها من 13 ألف قرد عام 1980 إلى خمسة آلاف فقط في الوقت الراهن.

وحسب الاختصاصيين، فإن القرود التي تعاد إلى بيئتها الطبيعية بعد صيدها، ترفض وتنبذ من قبل المجموعات الأخرى من القرود، وهو ما يعرضها للموت بسبب عجزها أو جهلها بطرق البحث عن الطعام، وبالتالي وقوعها فريسة سهلة للكلاب. أما القرود الصغيرة التي تنتزع من مجموعتها فإنها تعاني أضرارا جسدية ونفسية كبيرة، إذ إنها تتعمد إلحاق أضرار جسدية بنفسها فيما يشبه الانتحار مما يؤدي غالبا إلى نفوقها. أضف إلى ذلك أنه عادة ما يكون لوجود الإنسان في المجال الطبيعي لقردة «الماكاك» تأثير سلبي على تصرفاتها، ولقد تبين عبر عمليات متابعة ورصد من طرف باحثين متخصصين أنها لا تتوالد عندما تشعر بوجود الإنسان قرب حيزها الطبيعي أو بيئتها الطبيعية. ومن ثم، اقترح التقرير الذي أعده مهتمون ومتخصصون، على المواطنين الكف عن عادة تقديم الطعام لها أثناء وجودها على جنبات الطرق أو التقاط صور لها أو اقتنائها باعتباراتها حيوانات أليفة، تصلح للتسلية.

يشار إلى أن القانون المغربي يمنع صيد قردة «الماكاك» أو الاتجار فيها ويعاقب المخالفين بفرض غرامات عليهم باعتباره صيدها والاتجار بها «جريمة»، غير أن ذلك لم يؤد بعد إلى الحد من خطر الانقراض الذي يتهدد هذا النوع من القردة. وحقا جرى تسجيل قردة «الماكاك» عالميا عام 1975 ضمن الحيوانات المهددة بالانقراض والتي تتطلب حماية دولية، ومنذ عام 1980 أدرجت ضمن «اللائحة الحمراء» للاتحاد الدولي لصون الطبيعة. وفي ضوء هذا الواقع المؤلم وجه كل من جمعية المحافظة على قردة زعطوط بجبال الريف والمركز الجهوي للتوثيق نداء عاجلا بضرورة الاهتمام بهذا النوع من القردة، باعتباره نوعا فريدا من فصيلة متفردة لا تشبهها أي قردة في العالم مما يعني أنه من المستحيل تعويض ما انقرض منها.

على صعيد آخر، يوجد عدد كبير من قرود «الماكاك» في ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، أهم المدن السياحية في المغرب، وفي الساحة الكبيرة الشهيرة على مستوى العالم يستغلها مروضو القرود في عروضهم أمام السياح، وبسبب إقبال السياح والزوار على الساحة فإن السلطات لا تطبق على هؤلاء المروضين النص القانوني الذي يمنع حيازة هذا القرد النادر.

وفي هذا السياق، نذكر بأن مروضي القردة في ساحة جامع الفنا يتداولون مثلا مغربيا شائعا يقول «فلوس اللبان يأكلهم زعطوط». وحكاية هذا المثل أن قرد زعطوط كانت تربطه علاقة صداقة مع «لبان» (بائع لبن)، وكان يتابع باهتمام صديقه وهو يمزج اللبن بالماء في عملية غش متعمد لزبائنه، لكي يجني أرباحا من وراء ذلك. ولكن القرد غضب من اللبان ذات يوم وأراد أن ينتقم منه، وبالفعل غافله وسرق منه كيس النقود التي جناها من غشه في بيع اللبن، ثم توجه نحو الشاطئ وجلس في مكان مرتفع وراح يضع قطعة نقدية بجانبه ويرمي الأخرى في الماء. وكل ما جد اللبان في مطاردته كان يصعد إلى مكان أعلى ويقوم بالحركة نفسها. وهكذا أضاع القرد جهد صاحبه، والفلوس التي جمعها عن طريق الغش.