ظاهرة قص الشعر «على الصفر» تنعش سوق الحلاقة في تونس

يراه كثيرون أكثر راحة ونظافة

إقبال قوي على مزاولة مهنة الحلاقة في تونس... وقص الشعر «على الصفر» سهّل المهمة على كثيرين («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت تونس كغيرها من دول العالم الكثير من الظواهر المتعلقة بالأكل واللباس وطريقة تصفيف الشعر وما إلى ذلك، وفي موضوع تصفيف الشعر اشتهرت في تونس أسماء شخصيات فنية أو حزبية أو آيديولوجية وغيرها بطريقة تصفيف شعرها مثل الفنان جون ترافولتا، أو تلك الحليقة الرأس تماما – الصلعاء – مثل الممثل الراحل تيلي سافالاس بطل الشخصية البوليسية «كوجاك»، والممثل الأقدم شهرة منه يول برينر.

واليوم ثمة ظاهرة لافتة في تونس هي ما يعرف بالحلاقة «على الصفر» أو أكثر بقليل، حيث لا تحتاج في الغالب لمشط، بشكل مواز للتصفيفات التي يستخدم فيها الشباب دهون الشعر (الجيل) فيوقفون شعورهم إلى عل. وهذه الظاهرة تتحسس منها بل ترفضها المراكز التربوية في تونس ولا سيما المدارس والمعاهد الثانوية. غير أن الشبان الذين التقتهم «الشرق الأوسط» ممن يفضلون الحلاقة «على الصفر» على أنهم يشعرون براحة أفضل مع هذه الطريقة. في الواقع، لم تنعش ظاهرة الحلاقة «على الصفر» سوق الحلاقة عموما فحسب، بل زادت في عدد المقبلين على تعلم مهنة الحلاقة. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال الحلاق منير بن الطاهر (36 سنة) «لقد انقطعت عن الدراسة في سن مبكرة، فوجهني والدي لتعلم الحلاقة عند حلاق وليس في مدرسة... لأن المهنة في حاجة للممارسة العملية أكثر منها النظرية. وبالفعل تعلمت المهنة خلال 3 أشهر بيد أنني بقيت أعمل في المحل لمدة سنتين» وتابع منير كلامه قائلا: إن «ظاهرة الحلاقة (على الصفر) لم تكن شائعة في الماضي، بل هي وليدة التأثر بالمشاهد التلفزيونية، لكنها على أي حال زادت من عدد المرات التي يرتاد فيها الزبائن المحل».

منير، الذي يمتهن الحلاقة منذ 21 سنة، تمكن من تأسيس محل حلاقة محترم وامتلك منزلا ومحلات للإيجار، وعن نجاحه المهني قال معلقا «الحمد لله أعطتني هذه المهنة الكثير... ولقد تزوجت أخيرا وإن شاء الله أرزق بذرية صالحة». وبخلاف كثيرين من أصحاب المهن أكد لنا أنه إذا رزق بأبناء سيعلمهم الحلاقة «ليصرفوا على أنفسهم بأنفسهم مع مواصلة تعليمهم، ولهم الخيار في اختيار مهنة أخرى بعد ذلك».

من جهة ثانية، يرى منير بن الطاهر أن الحلاقة «على الصفر» هي «الأفضل بالنسبة للحلاق سواء كان متمرسا أو مبتدئا لأن تصفيف الشعر له مشاكله... وأيضا لا يخلو من طرائف، فأحيانا يأتي شخص ويطلب تصفيف شعره مثل فلان أو علان أو يأتي حاملا صورة معه ويطلب مني تصفيف شعره على الكاتالوغ. وهذا غير ممكن في كل الأحيان لأن شعره ليس مثل شعر الآخرين، ومن كانت رقبته غليظة ليس مثل من رقبته رقيقة وهكذا... ولذلك تحصل لنا إشكالات مع بعضهم».

واختتم منير حديثه معنا بنصيحة وكلمة تحذير من الزبائن الفاسدين إلى المقبلين على المهنة، قائلا: «لديهم مقدرة على استقطاب الحلاقين الجدد وغمسهم في فسادهم بما في ذلك تعاطي حبوب الهلوسة التي يستخدمها مرضى الأعصاب».

من ناحية ثانية، أحمد السبري (22 سنة) يعمل حلاقا منذ 7 سنوات، وبخلاف منير ذكر لنا أنه تعلم المهنة خلال 9 أشهر، وأعرب عن اعتقاده بأن الحلاقة «على الصفر» هي الأفضل لا سيما أنه تعرض للسب وحتى الضرب من قبل زبائن لم يرضوا على تصفيفة شعورهم عندما كان يتعلم. وأردف «بعضهم كان يرفع صوته، وبعضهم الآخر كان يسبني ووصل الأمر إلى حد الضرب». غير أن مثل هذا التصرف لم يفاجئ أحمد، إذ قيل له منذ أول اليوم الذي تخطى فيه عتبة المحل أن عليه تحمل «سوء أدب» بعض الزبائن وغضبهم، واستطرد قائلا «... نعم كنت أعلم مسبقا ما ينتظرني، ومن ثم صبرت، وها أنا الآن أتلقى عبارات الثناء والمديح من الزبائن». أما عن أبرز المشاكل التي تواجهه، فأوضح أحمد أن «عدد الحلاقين حيث هو تجاوز الحاجة... ففي مساحة 500 متر مربع هناك ثمانية حلاقين، وبما أنني لا أملك المال اللازم لشراء أرض وتأسيس محل وتأثيثه بت أرى الحل الوحيد المتاح لي في الهجرة إلى دول عربية خليجية».

وحقا، حلم الهجرة يراود كثرة من الحلاقين الذين يجدون أنفسهم من دون رأسمال لتأسيس محلات خاصة بهم، فيضطرون لدفع نصف مداخيلهم إلى صاحب المحل. من هؤلاء طارق الفطناسي (18 سنة) الذي أصبح حلاقا محترفا في ظرف ثلاث سنوات ونصف السنة. وخلال اللقاء معنا سرد طارق تجربته قائلا: «تعلمت الحلاقة في لحية أبي، وهو الوحيد الذي جرحته جرحا صغيرا»، ثم استدرك «الحقيقة أنني أخطأت 6 مرات ولكن بعض الزبائن شجعوني على تحمل أخطائي. كنت أشعر بالإحراج... وكان شعوري يجرح عندما يرفض أحد الزبائن أن أتولى حلاقة شعره، أما الآن فالوضع مختلف... فهم يتسابقون على الكرسي الذي يخصني في هذا المحل».

محمد بن خميس (18 سنة)، من جهته، كان دافعه لتعلم الحلاقة مساعدة كبار السن على حلق رؤوسهم لأنهم «لا يستطيعون الذهاب إلى محلات الحلاقة، وهم يفضلون الحلاقة (على الصفر)... وهذه مسألة لا تحتاج إلى تعلم ومن هنا أظهرت ميلا لمزاولة مهنة الحلاقة». أخيرا، بقي أن نشير إلى أنه ليس لدى أغلب الحلاقين في تونس تسعيرة ثابتة للحلاقة وهم يتركون للزبائن تقدير ذلك، وعن هذا الأمر قال منير بن الطاهر «التسعيرة مرتفعة نسبيا وتصل إلى 7 دنانير بل حتى 10 دنانير أحيانا... لكننا نرضى بالدينار والدينارين والثلاثة، وأحيانا نعرف مقدار ما سيدفع لنا من وجه الزبون، والاختلاف في الأسعار يعود للمكان الذي يقع فيه محل الحلاقة».