فندق «كوزموبوليتان».. تحفة معمارية أبدعتها أيد إيطالية في وسط القاهرة

بدأ تشييده عام 1923.. وأجيال من المثقفين والفنانين توالت عليه

فنق «كوزموبوليتان» تحفة تصميمية إيطالية وملتقى ثقافي مرموق في وسط القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

في منطقة وسط البلد بقلب العاصمة المصرية القاهرة، يقف فندق فاخر له إطلالة رائعة على بنايات عريقة بنيت بالطراز الكلاسيكي، وبمجرد أن يدلف إليه الزائر يبهره بَهْوه العريق، الذي يتجسّد فيه عالم من الفن والثقافة والذوق، وهذا قبل أن يعلم أن على مقاعده جلس عمالقة الأدب والفن، وتحت أضوائه الخافتة رُسمت لوحات وكُتبت عشرات القصائد والروايات.

إنه فندق الـ«كوزموبوليتان» الأسطورة المعمارية والفنية التي تشهد على ماضٍ أصيل يختصر ملامح ذلك الزمن الجميل.

بدأ تشييد الفندق عام 1923 على يد المعماري الإيطالي ألفونسو ساسوو، وذلك تحت اسم الـ«متروبوليتان»، وهو اسمه الأصلي القديم، ويعد هذا الفندق آخر ما أبدعه ساسوو في مجال المعمار، وهو الذي اشتهر بنماذج رائعة من العمارات والشقق البديعة ذات الطراز الإيطالي في وسط القاهرة. وفي عام 1928 استقبل الفندق الكائن في شارع ابن طحلب أول روّاده.

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قال لنا عماد محمد المدير المناوب للفندق: «في هذه المنطقة تحديدا تنسلخ عن عالمك لتشعر بأنك في باريس القديمة، حيث المباني ذات الطابع الفريد والتماثيل المنحوتة في الجدران، والزجاج المعشّق والملوّن، وبالتالي فهو يعكس بحق ما قاله بعض المؤرخين قديما عن القاهرة عندما وصفوها بجملة شهيرة هي أنها (باريس على النيل)».

والواقع أنه يمكن من الفندق مشاهدة شارع قصر النيل كاملا. وكان أمام باب الفندق حديقة دائرية الشكل تتوسطها نافورة مياه اقتبس تصميمها من تصميم الفندق، ولقد التقطت للفندق صورة في أوائل خمسينات القرن الماضي تظهر الحديقة والنافورة قبل إزالتهما لاحقا، لتحل محلهما اليوم بعض محلات الملابس، بالإضافة إلى مقهى ترتاده أعداد كبيرة من السياح العرب والأجانب.

وأضاف عماد: «الفندق من الخارج ذو طلة كلاسيكية إلى أقصى درجة، حيث الأسقف المرتفعة والنوافذ المستطيلة الشكل، وعلى الجدران التماثيل المنحوتة بداخلها في كل ضلع من أضلاع البناية، وما إن تدخل حتى يستقبلك بهو واسع تتوسطه مائدة دائرية من الرخام الأسود تعلوها ثريا كبيرة الحجم (نجفة) من الكريستال البلجيكي، تبدأ من الطابق الثالث لتنتهي عند الدور الأرضي، ويتكون مبنى الفندق نفسه من 6 طوابق بالإضافة إلى (الروف) ويحتوي على 84 غرفة و6 أجنحة فندقية عالية المستوى».

جميع ملحقات الفندق ما زالت تحتفظ بالتصاميم ذاتها التي ميّزتها منذ أكثر من 80 سنة. حتى المصاعد القديمة لم تتغير، وعلى الرغم من عمليات التجديد التي يخضع لها الفندق من فترة إلى أخرى ليحافظ على رونقه، فإنه ما زال يحتفظ بمصاعد الكلاسيكية ذات الأبواب المزدوجة الحديدية من الخارج والخشبية من الداخل.

واستطرد مدير الفندق، شارحا: «المكان يكون مبهرا بصورة خاصة أثناء النهار، حين تنفذ أشعة الشمس إلى داخل المبنى من خلال النوافذ ذات الزجاج الملوّن المحلّى برسوم تروي أساطير قديمة حدثت في الريف الأوروبي، وهو ما يجعل كل طابق مكانا تتناثر فيه الإضاءات على اختلاف لون النوافذ».

وتابع أن الـ«كوزموبوليتان» يضم عددا من الأجنحة الفاخرة «التي تعدّ محطة مبيت كثير من رجال الأعمال العرب والأجانب، ويتميز الجناح منها بزوج من الأسرّة المبطّنة بالكامل، كما أن جميع ملحقات الغرفة مصنوعة من الخشب الأسود المطعّم بأشغال النحاس المطلي بالأسود. وتمتد أناقة الديكورات إلى (الأباجورات) أو (المصابيح الجانبية) التي تمثل عصر الرقي الأوروبية في تلك الحقبة، ولقد صنعت (الشابوهات) يدويا من الحرير الطبيعي المطرز بخيوط الصيرما الذهبية، ونلاحظ أن زوار الفندق تبهرهم اللوحات المرسومة بألوان الخشب، التي تتنوع ما بين الطبيعة الصامتة وبعض الرسومات الفرعونية».

والحقيقة أنه يتاح لزائر الـ«كوزموبوليتان» الجلوس والاستمتاع بأجواء كافيتيريا «كوزمو»، حيث يتناغم اللونان الأبيض والأزرق بين السقف المرتفع والأرض، والإضاءة الخافتة والخشب البني الداكن الذي يملأ أرجاء المكان من الجدران وموائد ومقاعد. ولقد كان هذا المكان بالذات شاهدا على جلسات ثقافية مميزة لجيل من أبرز أجيال المثقفين المصريين، فهنا كان يجلس أدباء وفنانون وشعراء، من أمثال نجيب محفوظ وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي ويحيى الطاهر عبد الله ويوسف أبو ريّة وصلاح عناني، وغيرهم كثيرون ممن كانوا يرون أن في هذا المكان صومعة لتفجير طاقاتهم الإبداعية.

وحول هذا الموضوع، أوضح عماد محمد أن الـ«كوزموبوليتان» يعتبر بالفعل «أحد أهم أماكن تلاقي المثقفين ومنتدياتهم التي ما زالت تحتفظ برونقها، فغيره من الأماكن في الجوار تحولت إلى مطاعم لاستقبال العامة وغلب عليها الطابع التجاري، أما الـ(كوزموبوليتان) فكان وما زال الملتقى مفضلا للكتاب والمثقفين، بل إن بعضهم لم يغفله في كثير من أعمالهم».

واختتم مدير الفندق كلامه، بالقول: «الـ(كوزموبوليتان) ليس مجرد فندق.. إنه أشبه ما يكون بمركز ثقافي يذكّرنا بأجمل الأيام الخوالي، التي قد لا نستطيع أن نعيدها. وكان الفندق قد تأثر سلبا بأحداث ثورة 25 يناير نظرا لقربه جغرافيا من مسرح الأحداث في ميدان التحرير، وهو كثيرا ما تسبب بإلغاء حجوزات الزوار والسياح الأجانب فيه، ولكن يظل هناك بعض الزوار الدائمون الذين يفضلون الإقامة فيه ولا يرضون بغيره تحت أي ظرف من الظروف».