الأسطى جمال أشهر نقاش نحاس بخان الخليلي: قلة السياحة أصابتنا في مقتل

من زوار ورشته الملكة فريدة وملك إسبانيا ومادلين أولبرايت

الأسطى جمال عبد الناصر في ورشته بخان الخليلي («الشرق الأوسط»)
TT

«قول للزمان ارجع يا زمان».. بهذه الكلمات الشجية بدأ جمال عبد الناصر صلاح حديثه عن مهنة النقش على النحاس، التي تراجع الإقبال على منتجاتها اليدوية في السنوات الأخيرة، ما تسبب في وقف حال نقاشي النحاس.

في «ربع السلحدار» بخان الخليلي كان اللقاء بالأسطى جمال عبد الناصر المولود في عام ثورة 23 يوليو (تموز)، وهو ما جعل والده يسميه على اسم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يقول الأسطى جمال: «ورثت المهنة أبا عن جد، وهي من المهن الفرعونية. وكان جدي الكبير من رواد النقش على النحاس في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، ومن بعده والدي الحاج صلاح الذي ابتعد عن المهنة بسبب مرضه وكبر سنه. وكنت وأنا طفل صغير ثم تلميذ في المدرسة (ابتدائي وإعدادي) أعمل معهما وأتعلم منهما، وهو ما جعلني أرتبط بمهنة النقش على النحاس، وأصبح من الصعب علي تغييرها رغم تراجع دخلها في السنوات العشر الأخيرة، خاصة العامين الأخيرين بسبب قلة الزبائن المترددين على مشغولات ربع السلحدار النحاسية، فبعد أن كانت ورشتنا ومعرضنا يعرفهما القاصي والداني داخل مصر وخارجها من المتذوقين لفن النقش على النحاس والراغبين في اقتناء منتجاته، أصبح روادهم قليلين لدرجة أن الزبائن بعد الثورة لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة خلال الشهر الواحد بعد أن كانوا بالمئات على مدار السنة».

وأرجع عم جمال أسباب ذلك إلى تراجع أعداد السائحين والانفلات الأمني الذي حال دون قدوم السائحين إلى مصر عامة، وخان الخليلي بصفة خاصة، فمن يسمع عن سطو مسلح على محلات ذهب بالخان مثلما حدث قبل أسبوعين يفكر بدل المرة مائة مرة قبل القدوم إلى خان الخليلي، فضلا عن اختلاف نوعية الزبون، «فزبائن المحل من المتذوقين لنقوش النحاس قل عددهم بطبيعة الحال، والزبون الأجنبي يعرف قيمة النقش على النحاس أكثر من المصريين أنفسهم الذين اعتادوا الفصال عند الشراء، في حين أن السائح الأجنبي يدفع قيمتها من دون فصال».

ويذكر الأسطى جمال سببا آخر لتراجع الإقبال على مشغولات النحاس اليدوية، وهو الغزو الصيني لنفس الأصناف وبكافة الأشكال وبأسعار أقل، مطالبا «الحكومة المصرية بالتدخل وأن تأخذ موقفا تجاه المنتجات الصينية التي غزت أسواقنا وضربت اقتصادنا ومنتجاتنا في الصميم، وصارت مهنتنا مضروبة بالنار، وفي انتظار الموت».. وهنا سألته: ولماذا أسعارهم أقل من أسعار منتجاتكم؟ فرد قائلا: «أنا شغلي كله يدوي ومن صنع اليد، أما المنتج الصيني فشغل غير يدوي ويتم عمل النقوش به من خلال (اصطمبات) وتصميم بالكومبيوتر، ويتم إنتاج عشرات القطع خلال ساعة واحدة، في حين أن نقش صينية نحاس واحدة برسوم أو نقوش فرعونية أو إسلامية قد يستغرق يوما واحدا أو أكثر، ومن ثم تشعر بجمالها ومدى الفن والإبداع فيها، في حين تفتقر النقوش الصينية للروح والجمال الذي يميز منتجاتنا».

يتابع الأسطى جمال: «هذا بخلاف ارتفاع أسعار النحاس المستورد إلى 70 جنيها للكيلو الواحد، وهو ما يجعل هامش ربحنا قليلا. فبعد أن كنا نشتري في السابق احتياجاتنا من النحاس الأحمر على شكل ألواح وأسطوانات، وهو أفضل أنواع النحاس، من الورش والمصانع المصرية، تم غلق غالبية هذه المصانع بفعل فاعل، والبعض الآخر غير نشاطه، وهو ما اضطرنا لشراء النحاس المستورد، وهو ليس باللون الأحمر، وإنما نحاس أصفر».

ويذكر الأسطى جمال أن «شهور الشتاء تعتبر أكثر مواسم السنة رواجا بالنسبة لنا؛ بسبب كثرة السائحين خلالها عن أشهر الصيف، ويستثنى من ذلك الشتاء في العام الماضي والشتاء الحالي بسبب الانفلات الأمني».

صور الزعيم جمال عبد الناصر وكوكب الشرق أم كلثوم، بالإضافة إلى ملوك مصر القدامى، مثل كيلوباترا ونفرتيتي وتوت عنخ آمون ورمسيس، هي الأكثر نقشا على النحاس، ويطلبها الزبائن بكثرة، مثلما يؤكد الأسطى جمال، ويضيف: «عدد كبير من مشاهير السياسة والشخصيات العامة ترددوا علينا، ولا أنسى زيارة الملكة فريدة ملكة مصر السابقة لمعرضنا بعد سنوات من قيام ثورة يوليو، وقامت بشراء إحدى المنتجات التي صنعها لها والدي، كما تردد على المعرض كل من الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا وزوجته ومادلين أولبرايت وزيرة خارجية أميركا السابقة، وغالبية السفراء الأميركان الذين عملوا في مصر».

المهنة التي ورثها الأسطى جمال عن والده وجده يقول إنه لن يورثها لأحد من أبنائه، فقد اختاروا طريقهم بعيدا عنها بعد أن شاهدوا بأنفسهم أوجاع المهنة تلاحق أباهم ومن قبله جدهم، وعدم وجود نقابة تحميهم وتدافع عنهم. لكنه مع ذلك ذكر أشهر العائلات وكبار الأسطوات الذين عملوا بالنقش على النحاس: «فقديما كان جدي محسن العربي والحاج زكي الجندي والحاج أحمد حافظ، ومن بعدهم والدي صلاح العربي وعمي فهمي محسن العربي».

ويعتبر الأسطى جمال أن من يقوم بالنقش فنان من الطراز الأول، ومن أصول المهنة أن يكون مثقفا ملما بأنماط الفنون، كما يعتبر معرفته باللغة الإنجليزية ضرورة من أساسيات عمله للتعامل مع الأجانب وفهم متطلباتهم في النقوش النحاسية، ويؤكد أن شقيقه الأصغر عصام المتخصص فقط في البيع والشراء هو من يترجم له باقي اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية والروسية.

وحول أشهر النقوش التي يطلبها الزبائن يقول: «صينية العائلة هي أشهر ما ننقشه الآن للزبائن، فهي تحتوي على أسماء الزوج والزوجة والأبناء، ويبلغ سعر ذات القطر 30 سم 120 جنيها، ويزيد ثمنها إذا تم نقش صور أفراد العائلة عليها».