سوق الأسماك بتونس تجمع بين الفقراء والأغنياء على المائدة

في ظل ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن

ازداد إقبال العائلات التونسية على تناول الأسماك بدلا من اللحوم والدواجن («الشرق الأوسط»)
TT

تحولت سوق الأسماك بالعاصمة التونسية إلى نقطة جذب أساسية لمعظم العائلات التونسية، فقد انتبهت إلى مختلف الأسماك المعروضة بالسوق بعد أن هجروها لفترة طويلة بدعوى ارتفاع أسعارها بالمقارنة مع بقية المنتجات الاستهلاكية من لحوم ودواجن.

إلا أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي بعد الثورة وتراجع المداخيل المادية لمعظم الفئات الاجتماعية، فتح أعين تلك العائلات سواء منها الميسورة الأحوال أو المحدودة المداخيل على أنواع من الأسماك غيرت العلاقة بين المنتج والمستهلك، فبمقارنة بسيطة بين أنواع اللحوم المعروضة في الأسواق التونسية وبعد الزيادة الصاروخية على مستوى أسعار البيع لمعظم المنتجات الاستهلاكية، اكتشفت معظم العائلات أن وجه المقارنة بين أسعار الأسماك وبقية اللحوم الحمراء والبيضاء لا تجوز من حيث الأصل.

ففي واقع الحال لا تقل أسعار لحوم الخرفان أو الضأن بعد الثورة عن عشرين دينارا تونسيا (أي نحو 14 دولارا أميركيا)، وقد ترتفع إلى حدود 22 دينارا في بعض الأحياء السكنية، وعرفت اللحوم البيضاء (دواجن متنوعة) بدورها زيادة ملحوظة وارتفعت إلى حدود خمسة دنانير ونصف للكيلوغرام الواحد من الدجاج الأبيض أو ما يسميه التونسيون «دجاج الحاكم»، بعد أن كان في متناول الطبقات الفقيرة ويباع بمبلغ أربعة دنانير على أقصى تقدير.

كما ارتفعت لحوم الديك الرومي إلى حدود قاربت تسعة دنانير تونسية، وهذه الأسعار أثقلت على الطبقات الفقيرة وقضمت جزءا كبيرا من الطبقة المتوسطة، وهو ما جعل العائلات التونسية تبحث عن بدائل عاجلة تفي بالحاجة ولا تثقل الميزانية، وكانت سوق الأسماك من أفضل الوجهات، إذ بالقليل من المال يمكن أن تضمن وجبة معتبرة لكل أفراد العائلات، فالكيلوغرام من سمك السردين على سبيل المثال لا يزيد على دينارين ونصف دينار تونسي (نحو دولار ونصف الدولار الأميركي)، وبقية الأسماك حتى ذات الجودة المتوسطة قد تباع بأسعار تبقى في المتناول، فسمك «البوري» يباع بخمسة دنانير للكيلوغرام الواحد، وسمك «الغزال» وهو من الأسماك الزرقاء يباع بمبلغ أربعة دنانير تونسية، كما أن أسماك «جراد البحر» وهي من الأنواع الجيدة تباع بمبلغ متراوح بين ستة وتسعة دنانير تونسية، وبالإمكان توظيف تلك الأسماك في أكثر من طبق ولأكثر من وجبة غذائية.

حول موضوع الأسماك وتراجع أسعارها وكثافة استهلاكها من قبل العائلات التونسية، قال عاطف عبروق، تاجر أسماك بالسوق المركزية للعاصمة التونسية، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن أسعار الأسماك تراجعت خلال الفترة الماضية بصفة ملحوظة، وأرجع الأمر إلى شبه اتفاق ضمني بين تجار الأسماك والعائلات التونسية على الانتفاع من عملية ارتفاع أسعار بقية اللحوم. وقال إن قسما هاما من التونسيين قد اكتشفوا أخيرا الكثير من المزايا الغذائية للأسماك مع إمكانية اكتساب الكثير منهم المعركة القائمة بين المداخيل والمصاريف.

وسعى البحارة وتجار الأسماك خلال الفترة الأخيرة لاكتساب ثقة حرفاء جدد من القادمين على سوق الأسماك، وذلك بمزيد الضغط على الأسعار في ظل اتجاه العائلات التونسية نحو الاعتماد على الأسماك في وجباتها الغذائية والاستغناء ولو مؤقتا عن قسط كبير من اللحوم الحمراء والبيضاء التي كانت تؤثث المائدة التونسية.

ومن ناحيته أرجع كريم القربي، تاجر أسماك بالسوق، ما سماه «الهجوم الجماعي على الأسماك» بانخفاض الطلب خلال فترة زمنية طويلة نسبيا اكتفت فيها العائلة بالقليل من الغذاء في ظل خوفها من نفاد مدخراتها في ظل أوضاع سياسية غير مستقرة. وقال إن الأسعار قد تراجعت في سوق الأسماك إلى النصف، وهو ما شجع العائلة التونسية على اكتشاف مزايا الأسماك بأنواعها. وأضاف أن أسعار سمك «التريليا» تراجعت بصفة ملحوظة، وقد انتقلت عدوى الانخفاض إلى سمك «التن» الأبيض و«القاروص» وسمك «الورقة»، وهي من الأنواع الجيدة بالنسبة للمستهلكين سواء من حيث الأسعار أو القيمة الغذائية.

لكن سوق الأسماك وسط العاصمة التونسية أبقت على قسم منها لأفضل الأسماك وأجودها، فالبعض من أنواعها تصل أسعاره إلى 30 دينارا تونسيا (نحو 15 دولارا أميركيا) للكيلوغرام الواحد. كما أنها مهيأة بشكل قسمها إلى جزأين، فعلى اليمين يغري بريق الأسماك الباهظة الأثمان الأعين، في حين أن الجهة اليسرى إذا دخلت السوق من ممر صغير بين باعة الأكياس البلاستيكية فقد أبقت على أسعار شعبية، وهي توحي بوجود منافسة مفتوحة بين تجار الأسماك أنفسهم وبين الفقراء والأغنياء. وإذا قدم الحريف إلى سوق الأسماك عليه أن يختار بين الوجهتين، وذلك مرتبط على ما يبدو بمدى انتفاخ حافظة أوراقه واستعداده للتنازل عن المال والدفع في سبيل أسماك مغرية.