حرفيو «الأويما» في مصر: لوحاتنا الفنية تتلألأ في باطن الخشب

تجمعهم ورش صناعة الأثاث في أسواق دمياط والمناصرة

ورش فن الأويما تنتشر في أماكن تجمع صناع الأثاث في دمياط والمناصرة («الشرق الأوسط»)
TT

«الأويما»، فن من الفنون الحرفية التي تقوم بها الأيدي الماهرة في مصر لتحويل الأخشاب إلى لوحات فنية نابضة بالحياة، فهو فن الحفر على الخشب أو النقش عليه، الذي انعكس قديما على منابر المساجد وحوامل المصاحف، فيما يرتبط في وقتنا الراهن بصناعة الأثاث بشكل أساسي، حيث يستعمل في البراويز والطاولات وقطع غرف الاستقبال، حيث يتم تزيينها بالزخارف المختلفة الأشكال والتصميمات.

وتنتشر معظم ورش الحرفيين العاملين بفن الأويما في أماكن تجمع صناع الأثاث، وتعد مدينة دمياط الواقعة على ساحل البحر المتوسط (200 كلم شمال القاهرة) من أشهرها، ويأتي بعدها سوق المناصرة في القاهرة.

يقول سامي الغباشي، صاحب إحدى أتيلييهات فنون الأويما في مدينة دمياط لـ«الشرق الأوسط»: «الأويما فن قبل أن يكون حرفة ومهنة، وتعتمد في المقام الأول على خيال الصانع الماهر، فحين يطلب منه أحد الزبائن تنفيذ شكل معين للديكورات أو الأثاث، يقوم بتحديد المقاسات المناسبة أولا ثم يقوم برسم الشكل المناسب للطراز والمساحة، ثم ينقل الرسم على الخشب، ومن ثم يقوم بتنفيذها بخبرة وحرفية تراعي أصول الصنعة وطبيعة الخامات».

ويبين أنه يتم تزيين القطع الخشبية بأن تتخللها زخارف نباتية بسيطة، تصطف بانتظام طولي أو دائري، حسب القطعة الخشبية، كما يمتد هذا الفن إلى الديكورات التي تتدلى من الأسقف، كمراكز الإضاءة وأماكن تعليق الثريات.

أما عن أنواع الخشب المستخدمة في الحفر، فيوضح: «تختلف الأخشاب المستخدمة في الحفر من حيث قابليتها للتشكيل، فمنها ما هو منفتح الألياف، ومنها ما هو كثير العقد أو قابل للالتواء، وهذه الأخشاب إما طبيعية أو اصطناعية».

ويضيف: «أهم الأخشاب الطبيعية المستخدمة هي خشب الجوز والبلوط والماهوغني والحور والصنوبر الأبيض والزيتون والزان، ومن أبرز الأخشاب الاصطناعية المستخدمة الأبلكاج والسلوتكس والخشب الحبيبي».

ويشير الغباشي إلى أن هناك نوعين من الحفر فن الأويما؛ الأول الحفر المسطح، والثاني الحفر المجسم، ففي الحفر المسطح يقوم الحرفي بتفريغ الخشب عن طريق «التخريم» على شكل لوحات مختلفة، تمثل رسومات لنباتات أو أزهار أو عن طريق الخراطة اليدوية الخشبية، التي تعتمد على مقدرة الصانع، أما الحفر المجسم فمنه ما هو بارز وفيه يصل ارتفاع الزخارف المحفورة إلى نحو 5 ملم ويكثر في الحفر الإسلامي، ومنه ما هو بارز ومشكل، ويبرز في الحفر الروماني ويزيد فيه ارتفاع الزخارف والأشكال المحفورة على الأرضية بأكثر من نصف سنتيمتر، أما الحفر البارز المجسم، فيكون أكثر بروزا وعمقا في الأرضيات، وقد تصل فيه ارتفاعات الزخارف المحفورة إلى 25 سم. وهناك أيضا الحفر المفرغ فيكثر في رسوم الحيوانات من غزلان وخيول وسباع ووحوش مفترسة، وهناك المقرنصات وهي نوع من الزخارف التي طورها العرب وأصبحت من مميزات فنهم ولها صور متعددة.

عودة إلى القاهرة، وتحديدا إلى سوق المناصرة للأثاث الواقعة في قلب حي باب الخلق، حيث التقت «الشرق الأوسط» العم علي إسماعيل، الأسطى الستيني الذي يمتهن حرفة الأويما منذ أن كان عمره 13 عاما، والذي يقول بخبرة السنين: «معظم الزبائن تفضل الأويما الكثيرة في الأثاث، حيث يعتبرونها رمزا للفخامة والتميز، وتزداد رسومات الأويما بشكل واضح في غرف الاستقبال (الصالونات)، يليها غرف النوم ثم السفرة، والحرفي يقوم بتنفيذ الأشكال المطلوبة منه بعد رسمها بدقة على الورق، أما فيما يخص الأثاث الحديث (المودرن) فتقل فيه الأويما بشكل كبير، وإذا احتاج إلى الأويما فتكون دقيقة جدا ذات خطوط رفيعة».

وبلغة المؤرخين يقول: «كان المصري القديم أول من أمسك بآلة حفر واستخدمها بوعي في الحفر على الأخشاب والأحجار، فخلق منها فنا رائعا يحكي أول حضارة ظهرت في الوجود، فقد سجل الفراعنة على آثارهم وتوابيت موتاهم وجدران معابدهم الحفر المسطح والحفر تحت الأرضية والحفر البارز، حيث اتجهوا إلى تجميل مشغولاتهم الخشبية بالحفر الهندسي والزخرفي ومختلف أنواع الكتابة المحفورة، ثم تطور فن الحفر حتى انتشر في كثير من البلدان بأشكال متنوعة ومختلفة».

لكن العم إسماعيل يأسف حاليا لحال الأويما وصانعيها، فيقول بحزن: «إن معظم الحرفيين الجدد يلجئون حاليا لاستعمال العدد الآلية والنصف آلية والماكينات الكهربائية لرسم الأويما، التي توفر الوقت والجهد، والحرفيون القدامى الأكثر حنكة فيه، فهم ما زالوا قادرين على حفر أكثر الرسومات تعقيدا بواسطة الأدوات التقليدية المتمثلة في (الأزاميل) بكل مقاساتها، والسكين الياباني (المشرط)، والمبرَد وأدوات التنعيم، وغيرها من الأدوات التي يصل عددها إلى 100 أداة».

وينهي العم إسماعيل حديثه قائلا: «ينبغي دعم حرفة الأويما عن طريق إقامة مؤسسات غير ربحية للحفاظ على أسرار المهنة، إلى جانب الارتقاء بمدرسي الزخرفة في المدارس الصناعية، ليكتشفوا المواهب لديهم ويحسنوا تدريبهم ليخرجوا مؤهلين لسوق العمل».