مطعم «علي بابا» في دهب.. قصة كفاح على الطريقة السيناوية

يفضله السياح للاحتفال بأعياد رأس السنة والمناسبات الخاصة

مدخل مطعم «علي بابا» تزينه مفردات من الديكور السيناوي والنباتات الصحراوية والأعلام («الشرق الأوسط»)
TT

«لكل مجتهد نصيب». حكمة يؤمن بها الشاب مصطفى أبو الفضل، ويبتسم وهو يرنو إلى واجهة مطعمه المطل على البحر فوق أحد شواطئ مدينة دهب بجنوب سيناء، مشيرا إلى أنه ينتمي لأسرة متوسطة الحال، وكان ينوي أن يهاجر إلى فرنسا لأن شقيقه الأكبر في انتظاره وسيوفر له عملا هناك، ولكن الأقدار ساقته لأن يأتي إلى «دهب» بدلا باريس. وذلك بسبب مشاجرة بسيطة نشبت بينه وبين والده بشأن الدراسة، مثله مثل أي بيت مصري يهتم بشؤون أبنائه.

وعلى غرار «رب ضارة نافعة»، اتخذ أبو الفضل من المشاجرة العائلية البسيطة ركيزة أساسية ليبدأ مشوار حياته، وقرر أن يسافر ويبدأ حياة جديدة، من هنا وليس من هناك، مسترشدا بنصيحة صديق له بأن العمل في سيناء سيوفر له حياة أفضل من الهجرة إلى فرنسا، خاصة أن «سيناء بلدنا» (على حد تعبير صديقه).

على مقربة، وبأحد أركان المطعم، حيث مفردات الديكور السيناوي تظلل المكان كان الأميركي مايكل وزوجته إيلين على موعد لتناول وجبة الغذاء، فقد قدما إلى مصر واختار تحديدا مدينة دهب لقضاء إجازة أعياد الكريسماس ورأس السنة، وعلى الرغم مما تمر به مصر من ظروف سياسية مضطربة؛ فإنهما لم يتخليا عن عادتهما السنوية بالاحتفال بالعام الجديد وقضاء إجازة الكريسماس في مدينة دهب الساحرة.

وفي مكانهما المفضل بمطعم «علي بابا»، طلب الزوجان طبقهما الأثير «حساء السي فوود»، كون المطعم يقدم أفضل المأكولات البحرية؛ «سي فوود» على حد تعبيرهما.

يتابع أبو الفضل فصول كفاحه قائلا: وراء هذا الطبق الذي يشتهر به «مطعم علي بابا»، مبلغ ثلاثين جنيها مصريا فقط اقترضتهما من أختي الكبرى، لأبدأ الطريق وأوفر ثمن تذكرة ذهابي من مدينة المحلة مسقط رأسه بوسط الدلتا إلى مدينة دهب.

وعلى الرغم من أن دهب منذ وطأتها أقدامه قبل عشرين عاما لم يكن يوجد بها أي شكل من أشكال الحياة بالنسبة للمصريين والأجانب، فيما عدا الإسرائيليين المقبلين من الأراضي المحتلة إلى سيناء لقضاء وقتهم. إلا أنه استطاع من خلال وجودهم أن يتعلم اللغة العبرية حتى تساعده في التعامل مع نوعية السائحين الموجودين في سيناء.

يقول أبو الفضل: «عانيت كثيرا في البداية، خاصة أنه كان لا يوجد مأوى لي لأنني لا أملك المال ونمت على شواطئ دهب ليالي كثيرة، تلحفت فيها بالرمال الذهبية لأبدأ يومي عند مطلع الشمس. وأبحث عن عمل في المطاعم في غسل الصحون، وتقديم المشروبات، وعملت في مهن كثيرة، وتدريجيا تعلمت وفهمت كيفية تأسيس مطعم وإدارته وانتهيت بالعمل في مطعم اسمه (توته) أنا وشريك لي، وقررنا وقتها أن ندخر كل قرش حتى لا نعمل لدى أحد ونبدأ مشروعنا الخاص بنا. أول مكان أخذناه حتى نبدأ به كان يحتاج إلى مبلغ كبير، ولكن بتوفيق الله سبحانه وتعالى، قرر صاحب المكان تأجيره لنا بمبلغ بسيط، وكان المطعم لا يوجد له سقف ويحتاج إلى تجهيزات كثيرة، لكن تخطينا كل الصعوبات بالإخلاص للعمل والحب بيننا وبين العاملين معنا، وكنا ننتهي من العمل في المطعم متأخرا ونذهب لتقطيع جريد النخل حتى نصنع به سقفا للمطعم، ونحاول تطوير الديكور الخاص به ليجتذب أكبر عدد من السائحين».

وعن الصعوبات التي واجهها أبو الفضل، يقول: «وقت الانتفاضة الثانية كان عصيبا، فقد امتنع السياح الإسرائيليون عن المجيء إلى سيناء خوفا من أن يتعرضوا للأخطار. ولكن وفودا من جنسيات أخرى بدأت تعرف طريقها إلى سيناء جنة الله على الأرض، وتحديدا إلى مدينة دهب التي تأخذ طابعا مختلفا عن مدينة شرم الشيخ، التي أخذت كل الاهتمام من القائمين على السياحة في مصر، ولكن دهب بشواطئها الذهبية ومياهها الصافية وهدوئها أصبحت ملاذا للاستجمام وعلاج الروح من صخب الحياة والمتعة في نفس الوقت».

ومن قبيل المحافظة على سمعة المطعم يلفت مصطفى إلى أنه يحرص على التعقيم المستمر والإشراف من قبل شركة تقوم بمراقبة العاملين لديه، وعددهم 40 عاملا، ما بين «شيفات» ومقدمي الطعام وعمال نظافة، وذلك على مستوى النظافة والتعقيم وطريقة الطبخ نفسها، كما تقوم الشركة بتدريبهم كل فترة حتى يصبحوا مواكبين لأحدث التطورات في عالم المطاعم والمطابخ، و«هذا ما جعلنا متميزين في الأطباق التي نقدمها. ومن ضمن برنامج التعقيم الذي أدخلته على المطعم، أن يدق جرس كل 20 دقيقة ليقوم الشيفات وطاقم الخدمة بتعقيم أيديهم بالمطهرات».

أما عن مكونات حساء «السي فوود» المعروف به مطعم «علي بابا»، فيقول إنه خليط من الكالاماري أو «السبيط» والجندوفلي والجمبري والكابوريا ومرقة السمك إضافة للكريمة اللباني، ويزين في النهاية وقبل تقديمه بالكافيار الأحمر والأسود لتعطي له شكلا مختلفا وشهيا.

بتلويحة حانية، يحيي أبو الفضل مايكل وزوجته إيلين اللذين فرغا من حساء «السي فوود»، وشرعا في اختيار صنف آخر من قائمة الطعام، ليستمتعا بالأكل ومشهد البحر الأزرق الشفاف الذي يداعب بطفولة رمال مدينة دهب الذهبية.