«حان وقت الدبكة».. وعام 2013 للترويج لها عالميا

مخزون لبنان من الفلكلور أهم من الغاز الطبيعي الذي يفاخر به

من أحد عروض الدبكة التي قدمها مالك عنداري في فرنسا مع ثريا بغدادي («الشرق الأوسط»)
TT

ممثلون، موسيقيون، مسرحيون، أناس عاديون لا يربطهم بالفن غير فضولهم والشغف، اجتمعوا في مسرح «دوار الشمس»، ببيروت من أجل تعلم رقص الدبكة، ولا شيء غيرها. ورشة العمل التي ينظمها هذا الأسبوع مالك عنداري حملت شعار «حان وقت الدبكة»، بعد أن شعر بأن هذه الرقصة الفلكلورية، ذات القيمة الرمزية العالية للبنان، تلقى رواجا كبيرا في الغرب، بينما يبقى أهلها على استحياء عندما يتعاملون معها، ولا يقدرونها كما يليق.

ورشة العمل التي يشارك فيها أكثر من 25 شخصا يومي الثلاثاء والخميس، لن تكون سوى فاتحة لمجموعة من نشاطات داخل لبنان وخارجه حتى يمكن اعتبار عام 2013 «عام الدبكة اللبنانية».

بعد أيام، تنال جمعية «مرحبتين» موافقة على العلم والخبر الذي تقدمت به إلى وزارة الداخلية اللبنانية لتصبح رسمية وتتحرك بموجب القانون. والجمعية ستعمل على تنفيذ مشروع طموح، سجلت ملكيته الفكرية والأدبية عام 2010 في وزارة الاقتصاد، ونالت دعم جهات رسمية عليه، يقضي بالترويج للدبكة والفلكلور اللبنانيين في عواصم العالم، بدءا من الشهور القليلة المقبلة.

ويتضمن المشروع إقامة يوم لبناني، في عدة عواصم، وتم التنسيق من الآن مع سفارتي لبنان في كل من باريس حيث يتم الاحتفال في أبريل (نيسان) المقبل، وبرلين التي يتم العمل لتحديد موعد لها. يبدأ اليوم اللبناني كما خطط له، بمشاركة خمسين شخصا، وبعرض فيلم عن طبيعة لبنان وتاريخه وثقافته، ثم تخصص ساعة لتعليم الدبكة للحاضرين، يتلوها غداء من المطبخ اللبناني، ومن ثم يتم عرض فيلم آخر يحمل عنوان «أدب، فن، إبداع»، ويسجل كل شخص من بين هؤلاء الأصدقاء، لتغرس له شجرة باسمه في لبنان، في المنطقة التي يختارها بالتعاون مع البلديات. وبعد هذه المشاركة، يصبح الأعضاء مسجلين على صفحة جمعية «مرحبتين» على الإنترنت، ويبقى التواصل معهم قائما، كما يربحون جوائز بشكل دوري تساهم في حضورهم إلى لبنان، وقد تكون إقامة بفندق أو دعوة إلى مطعم.

السفارات اللبنانية في العالم، إذن، مدعوة للتعاون مع جمعية «مرحبتين» التي تقيم نشاطها حول الدبكة بشكل خاص والتراث اللبناني بشكل عام، ومن المفترض أن تكون معنية بإشراك البعثات الدبلوماسية لتعريفها بثقافة بلدها.

ورشة العمل التي تقام ببيروت هذا الأسبوع، مرتبطة بشكل مفصلي، بجمعية «مرحبتين» ونشاطها الذي سينطلق في أبريل (آذار) المقبل. فمالك عنداري ونحو 14 شخصا ممن أسسوا الجمعية ينشطون مع أصدقاء لهم، لإقامة عرض مسرحي يخرج من ورشة العمل، التي بعد انتهائها سيتم إقامة «مختبر إبداعي»، يساهم من خلاله المشاركون في ابتكار عرض راقص. يشارك في العرض المتدربون الذين يرغبون في إكمال الطريق والأمل أن يقدم هذا العمل في بيروت ويجول في العالم مسافرا، كما سافرت عروض أخرى لمالك عنداري من قبله. ولمالك عنداري عروض سابقة مثل «فرنجي برنجي»، «رقصا على عقب»، كما «إجهاض مزمن». ما يريده اليوم هو الخروج بالدبكة من حيز الاستحياء منها إلى فضاء التباهي بها كفن محلي عريق يستحق العالمية.

ويتساءل عنداري: «لماذا تدرس كلية الفنون في الجامعة اللبنانية بريخت وستانسلافسكي والرقص الحديث، ولا تعلم طلابها خطوتين من الدبكة؟ ما سبب اهتمام اللبنانيين برقص الصالونات ورقص البالية وفن الهيب هوب، بينما هم ينظرون من دونية إلى رقصهم الفلكلوري؟ ثم إننا نشعر بالأسف حين نرى أن راقصي الدبكة على المسارح اللبنانية صاروا من الأوكرانيين والروس، الذين لا يعرفون معنى كلمات الأغنية التي يرقصون على أنغامها». ويضيف عنداري: «علينا أن نتحرك الآن، وإلا فإن الدبكة لن يكون لها وجود مستقبلا».

وحين نسأله إن كانت للدبكة إمكانات لتطويرها، يجيب: «أولا عندنا أرشيف هائل، وتراث كبير من الحركات والخطوات، لم يسمح لمن قادوا فرقا في لبنان بالاستفادة منه بالشكل الكافي. من الفنان ألان مرعب إلى كيغام وغيرهم ممن دبكوا لم يتح لهم الكثير من الفرص لتقديم مخزونهم. كما أن للدبكة إمكانات تطوير وتحديث هائلة، أعتقد أن كثيرين لا يمكنهم تصورها. لا بل أجرؤ وأقول إن مخزون المسرح اللبناني الراقص أكبر وأهم من مخزون الغاز الطبيعي الذي يراهنون عليه اليوم»، شارحا «إن الدبكة عموما تراث مشترك للمنطقة، لكن الدبكة اللبنانية لها خصوصيتها».

أحد أهداف مشروع مالك عنداري ضمن الجمعية التي أسسها مع شركائه، أرشفة وتوثيق الفلكلور اللبناني والموسيقي، فثمة إمكانات فذة برأيه، لا بد من الاستفادة منها. ويتحدث عن ضرورة تأسيس فرقة وطنية للفلكلور اللبناني على غرار ما نراه في دول أخرى، وإقامة معهد وطني للفلكلور اللبناني.

مالك عنداري، خريج قسم الفنون والآثار من الجامعة اللبنانية، من العبادية في جبل لبنان، تعلم الدبكة صغيرا في بلدته، كما كان يفعل الأطفال وتأثر بالمسرحيات الرحبانية، وتراث زكي ناصيف. وعندما كبر وأتيحت له فرصة الذهاب إلى بيروت توافرت له إمكانات جديدة، وتدرب على الرقص من خلال ورشات عمل وحلقات تدريب، ثم سافر إلى خارج لبنان ليتعرف على أنواع أخرى من الرقص، ويدرك أهمية الفلكلور الذي يحمله. ويشرح لنا عنداري قائلا: «عرفت أن هناك 130 ألف راقص باليه في الغرب، لكن عدد راقصي الدبكة محدود جدا. وقد أقمت ورشتي عمل في باريس ورأيت مدى اهتمام الأوروبيين بهذه الرقصة، والمفاجأة التي يبدونها عندما يكتشفون ما عندنا. نحن مصرون، أنا ومن معي، على أن نجعل هذا العام عام الدبكة بالفعل. ولن نقبل أن نبقى خاملين حتى يأتي أحد الغربيين، ذات يوم، ليعلمنا دبكة أجدادنا».