حزام الثعابين في مجموعة قرى هندية يثير حيرة العلماء

تتجول الكوبرا في حقول القرى وطرقها وحظائر ومطابخها من دون أن تثير مخاوف السكان

تحتل الكوبرا مكانة مقدسة في الدين الهندوسي, ولا يمكن للباحثين القيام بالكثير لأن سكان هذه القرى يرفضون نقل أي ثعبان خارجها
TT

قد يكون فحيح الكوبرا القاتلة في ساحة المنزل أمرا مخيفا للكثيرين، لكن بالنسبة لمجموعة من سبع قرى في ولاية البنغال الغربية شرق الهند، تعتبر الكوبرا والزواحف موضع ترحيب وتنتشر بكثرة في المكان.

تعيش الناس مع الثعابين المخيفة في هذه المنطقة منذ ما يزيد على خمسة قرون، في حقولها وطرقها ومطابخها وحظائر الأبقار، بجوار الأنهار. ويمكن للمرء أن يسمع فحيح الكائنات الزاحفة في هذه القرى وتحديدا في بوسلا وتشوتو بوسلا وبالاسانا وبودو موسارو وباسانتولا وموسارو وبوسالاهات، ويبدو أن أحدا لا يخشى منها.

تتنوع الثعابين الموجودة في المنطقة بدءا من الكوبرا إلى أفعى الكريت السامة التي تتجول في الخلاء دون أي أدنى خوف من المارين.

ووجد آخر تعداد أجراه سكان تشوتو بوسلا أن هناك أكثر من 3 آلاف ثعبان في القرية التي يبلغ تعداد سكانها 6 آلاف نسمة.

يقول سمير تشارجي، مدير مدرسة، الذي وضع كتابا عن الثعابين: «وفقا للإحصاء الذي أجراه يوجد أكثر من 3 آلاف ثعبان كوبرا تعيش في تشوتا باشلا وحدها، وإن الزواحف السامة تمثل طريقة للعيش هنا. الأفراد في القرى المجاورة يخشون زيارة قريتنا».

يذكر أن الثعابين لا تحتاج إلى الطعام سوى مرة وحدة كل بضعة أشهر ويقال: إن الكوبرا لا تحتاج إلى الطعام سوى مرة واحدة كل ستة أشهر.

ولدى سؤالهم عما إذا كانت هناك حالات وفيات نتيجة لدغات الثعابين في المنطقة يعترف القرويون على مضض بحدوث ذلك. لكنهم يؤكدون في الوقت ذاته، أن ذلك يحدث فقط نتيجة الهجمات التي تقوم بها ثعابين الكوبرا الغريبة على المنطقة أو الثعابين الأخرى - الأفعى الحضرية أو أفعى الكريت السامة. وأضاف سمير: «أفاعينا المقدسة لا تقتل سوى صغار البط والدجاج، لكنها لا تقرب البشر على الإطلاق».

عندما تموت إحدى الأفاعي يضعها القرويون في جرة من الطين ثم يغمسونها في نهر الغانغا المقدس لديهم. وباستثناء إطعامها وأداء الطقوس الأخيرة عليها يحاول القرويون الابتعاد عن الثعابين وعدم الاقتراب منها.

ويقول ديبو ميجهي، 25 عاما، الذي تعرض للعض من إحدى الثعابين قبل خمس سنوات أثناء الصيد في البركة: «تحرم علينا طقوسنا لمس الثعابين». وخلال السنوات التي قضيتها مع الثعابين منذ طفولتي حتى الآن لم أسمع سوى عن وفاة ثلاثة أشخاص فقط بلدغات الثعابين.

أصاب مراسلة الصحيفة الهلع عندما شاهدت الطفل براديب كوندو جالسا القرفصاء في ساحة المنزل يدفن رأسه في الكتاب الدراسي وأفعى ملكية تزحف على أرضية الغرفة الحمراء على بعد بضعة أقدام منه. صاح الطالب في الصف السادس والدته «أمي هناك ثعبان في المنزل». لم تشغل الأم، التي كانت مشغولة في أعمال المنزل، نفسها بالنظر إلى حيث أشار ابنها، قائلة له: «ركز في مذاكرتك، والثعبان سينصرف بمفرده».

من بين المشاهد الصادمة الأخرى، أفعى كوبرا ملكية طولها خمسة أقدام كانت تزحف بين مجموعة الأطفال حفاة الأرجل. لم يرتجف الأطفال خوفا، فيما صرخت المراسلة. وقال تشينموي ماهجي بافتخار: «نحن ننام ونأكل ونعيش مع الثعابين. ولسنا خائفين».

على بعد اثنتي عشرة ياردة من الأطفال المجتمعين كانت كوبرا أخرى تحاول ابتلاع ضفدعة، انتفخت بسبب تأثير الأفعى حتى أصبحت كالبطيخة. وبرزت كوبرا أخرى من البركة حيث كانت نساء القرية يغسلن أواني الطعام وشقت طريقها دون خوف إلى منزل قريب.

يتعلم الأطفال عن الكوبرا قبل أن يتعلموا حتى المشي. فالثعابين في كل مكان. وتشير التقديرات إلى أن هناك ثعبانا لكل اثنين من سكان القرية. ويتباهى ناروتوم ساين، زعيم القرية: «بينما أرقد في سريري، تزحف واحدة على وجهي دون أن تتسبب في ضرر لي».

ويقول نايان تشاكرابورتي، كاهن معبد موشارو: «لا أحد يعلم على وجه التحديد عدد الأفاعي في القرية. ربما تكون بالآلاف. لكنها موضع تقديس كتجسيد للإلهة جهانكيسواري، ومن ثم يطلق على الأفغاني باللغة المحلية اسم جهانجلاي. الناس والثعابين هنا يعيشون سويا منذ مئات الأعوام».

يعبد تشاكرابورتي الإلهة جهانكسواري كل يوم، ويتولى مسؤولية التعامل مع الثعابين حينما تكون هناك حاجة إلى ذلك.

لا يمس القرويون الآخرون جهانجلاي.

تحتل الكوبرا مكانة مقدسة في الدين الهندوسي، فالإله فيشنو عادة ما يصور وحول رأسه هالة من رؤوس الكوبرا التي تتوهج فوق رأسه. ومن بين الآلهة الهندوسية الأخرى اللورد شيفا الذي يصور وكوبرا ملفوفة مثل وشاح حول رقبته.

ازدادت حيرة الكثير من العلماء بشأن تكاثر الثعابين في هذا الحزام الكامل من القرى الصغيرة، وقد زار الكثير من علماء الزواحف والبيولوجيا هذه القرى السبع للكشف عن اللغز وراء هذا التعايش الغريب، لكن أحدا لم ينجح في ذلك.

لا يمكن للباحثين القيام بالكثير لأن سكان هذه القرى يرفضون نقل أي ثعبان خارج القرى، فقبل عدة سنوات قام فريق تابع لمنظمة المسح الحيواني الهندية، بدارسة الحزام الثعباني وأكدوا على أن الثعابين كانت كوبرا وقاموا باستخراج السم منها لاختبار قدرة السم لديهم. سمح القرويون لهم بذلك، لكن عندما أراد الفريق نقل بعضها إلى كولكاتا لإجراء مزيد من الفحوص اندلعت المظاهرات.

ويقول اختصاصي الزواحف، الدكتور سانيال والمقيم في كولكاتا، عاصمة الولاية، أنا متأكد من أن «الزواحف في هذه المنطقة هي الكوبرا الملكية عالية السمية».

لكنه لم يتطرق إلى مزيد من التفاصيل، فالقرويون الشغوفون بالتمسك بمحرماتهم الدينية، لم يسمحوا له بجمع عينات السم ومنعوه من أخذ أحد الثعابين إلى كولكاتا لإجراء مزيد من الفحوص.

يبدي القرويون حماية كبيرة للزواحف ولا يسمحون للغرباء بلمس الثعابين، فيقول المزارع مادهوسودان كونار: «أفاعينا مذهلة. فقد يتغذون على صغار الدجاج والبط لكنها لا تؤذي الماشية على الإطلاق، وقد شاهدنا الأبقار وصغارها تدوس عليها بحوافرها لكن الثعابين لا تهاجمها على الإطلاق. فالجهانجلاي هنا لحمايتنا».

يعتقد الخبراء بدورهم أن هذه الطبيعة الحمائية هي التي ساعدت في تكاثر الزواحف، ويعتقد القرويون أن البراهمة (طائفة خاصة في الهند) وحدهم بالإضافة إلى أفراد أسرة واحدة يمكنهم مس الثعابين، ومن ثم تركت الثعابين لحالها. ولولا ذلك لكانت هناك حالات كثيرة من لدغ الثعابين.

وقال مسؤول في منظمة المسح الحيواني الهندية: «لو سمح قانون حماية الحياة البرية بإمساك الثعابين لتمكنا من اصطياد 400 إلى 500 كوبرا يوميا هنا».

ويقول خبير الثعابين الشهير ديبكا ميترا: «خلال زياراتي إلى المنطقة شاهدت أفاعي بالغة السمية تدخل المطابخ وتتسلق الأرفف أثناء طهي النساء. لا تشعر الثعابين بالتهديد وقد اعتاد الناس عليها، إنه حقا لأمر مثير للدهشة».

ويضيف ديباك ميترا، أستاذ علم الزواحف: «إنها قرية فريدة تتعايش فيها الكوبرا السامة مع البشر. ويدير حديقة للزواحف في كولكاتا تضم 700 نوع من الزواحف»، وقال: «إنه لأمر غير معقول إلى حد بعيد».

لكن الخبراء يقولون: إن سم الكوبرا يمكن أن يقتل خلال دقائق والسبب الممكن وراء قلة الضحايا هي أن الثعابين السامة تميل إلى الاحتفاظ بسمها، ولا تتخلى سوى عن جزء بسيط في كل فترة.

ويقول إندرانيل بانيرجي، أستاذ طب الطوارئ في مستشفى بوردوان: «تعتبر الكوبرا عالية السمية ولا يمكن لأحد أن ينجو من دون الحصول على المصل المضاد ما تم ضخ السم بكمية كافية، أنا أرى هذا عادة، ولتنفث سمها القاتل في مجرى الدم، يجب على الكوبرا أن تدير رأسها وتضغط السم المرتبط بأنيابها. النجاة المتكررة لأبناء هذه القرى يمكن تفسيرها بحقيقة أن السكان المحليين ينجحون في الإفلات من الكوبرا بمجرد أن تعضهم، وأضاف أيضا أن الثعبان الذي عض فأرا أو ضفدعة مؤخرا قد ينفذ لديه السم».