دول العالم تخطط لجذب السائح المسلم وعائلته

«السياحة الحلال» حجمها 126 مليار دولار

TT

من المتوقع أن يصل تعداد المسلمين في العالم إلى ثلث البشرية، أي واحد من كل ثلاثة يعيشون على سطح الأرض، بحلول عام 2025. وهناك أعداد متزايدة من هذا التعداد لديها قدرات شرائية متفوقة وتبحث عن السلع والخدمات التي تناسبها، سواء في بلدان الإقامة أو أثناء السفر. وترصد أسواق السياحة العالمية أعدادا متزايدة من السياح الذين يطالبون بخدمات سياحية «حلال» في البلدان التي يزورونها. وعلى الرغم من أن معظم وجهات السياحة في العالم لم تنتبه بعد إلى هذه الحاجات بما يلائم أعداد هؤلاء السياح وقوتهم الشرائية، فإن هناك مؤشرات إلى بداية وجود لهذه السياحة التي من المتوقع أن يبدأ التسويق لها في السنوات القليلة المقبلة.

وقدرت دراسة أجرتها مؤسسة «داينر ستاندرد» الاستشارية حول القوة الشرائية للسياح المسلمين حول العالم بنحو 102 مليار يورو (126 مليار دولار). وسوف تزيد هذه القوة الشرائية إلى 192 مليار دولار في عام 2020. ويصل تعداد المسلمين في العالم حاليا إلى نحو 1.8 مليار مسلم، وهم يزيدون بمعدلات أعلى من التعداد العام، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى ثلث تعداد العالم بحلول عام 2025. ويفرض هذا العدد الكبير شروطه على الخدمات التي يطالب بها في وجهات السفر.

ويميل السياح المسلمون إلى السفر في مجموعات أسرية أكبر حجما، كما أن نسبة إنفاقهم تزيد على معدل إنفاق المجموعات السياحية الأخرى. وتعتبر الوجهات المفضلة للسائح المسلم حاليا هي بعض الدول الإسلامية، وأهمها ماليزيا وتركيا وإندونيسيا، وهي الدول التي تبدو سباقة الآن في السياحة الحلال. ولكن الدول الأخرى بدأت تعي حاجات هذا السائح وتخطط للاستئثار به في السنوات القليلة المقبلة. وقد تحفز هذه الاستعدادات لتوفير حاجات السائح المسلم في الدول السياحية الرئيسية في العالم، الدول العربية والإسلامية أيضا لكي تستأثر بجانب من هذا الإنفاق السياحي داخل حدودها وذلك بتوفير هذه الخدمات لسياحها وسياح الدول الإسلامية الأخرى.

من النماذج الناجحة في تقديم خدمات السياحة الحلال، والتي يمكن أن تقدم مثالا يحتذى من الدول الراغبة في المنافسة في هذا المجال، ما تقدمه ماليزيا التي تعد المنافس المشترك مع تركيا في تقديم مثل هذه الخدمات. وتنظم ماليزيا معرضا سنويا في كوالالمبور تحت اسم «أسبوع الحلال العالمي»، وتعرض فيه كافة السلع والخدمات الحلال والتي تشمل تقريبا كافة المجالات وليس فقط الطعام والشراب. وتشمل المعروضات كافة السلع المنزلية ولوازم المرأة من روائح وأدوات زينة. وفي أحد المنتجعات الماليزية في مدينة بورت ديكسون، يحمل المنتجع درجة خمسة «هلالات» للدلالة على معاييره المختلفة عن منتجعات الـ5 نجوم. وينقسم المنتجع إلى فيللات منفصلة لكل منها حمام السباحة الخاص بها، لتوفير الخصوصية أثناء ممارسة السباحة.

وتشير أسهم على سقف غرف الفيللات إلى اتجاه مكة، كما تحفظ نسخ من المصحف الشريف باللغة العربية في الغرف. وبالطبع يلتزم مطعم المنتجع بتقديم الأطعمة الحلال فقط، كما لا تقدم فيه أي مشروبات كحولية. ويوفر المنتجع قاعات للصلاة، كما يتيح الكثير من الأنشطة الترفيهية العائلية، ولا تعرض قنوات التلفزيون أي مواد أو أفلام خليعة. ويقدم المنتجع عروضا خاصة لشهر رمضان تشمل وجبتي السحور والإفطار، مع توفير الجو النفسي والهدوء الذي يتناسب مع الشهر الفضيل. ولذلك يتلقى المنتجع طلبات حجز عليه من كل أنحاء العالم.

وبالطبع يتوقع المسلم أن يجد الطعام الحلال في كافة المنتجعات التي يزورها في الدول العربية والإسلامية، ولكن مثل هذه المنتجعات تفتح أبوابها أيضا للسياح الأجانب وتوفر لهم ما يطلبونه من طعام وشراب قد يكون مختلفا. ولكن معظم المنتجعات تشير جيدا إلى أنواع الطعام غير الحلال حتى يتجنبها من لا يريدها.

السائح المسلم في الدول الغربية، ما زال هو الاستثناء وليس القاعدة فيما تقدمه الفنادق والمنشآت السياحية في هذه الدول. وهو في أغلب الأحيان يعتمد على نفسه في طلب الطعام الحلال تحديدا، كما يحمل أداة إلكترونية، مثل الهواتف الذكية، التي توفر له اتجاه الكعبة في أي مكان يحط فيه. وفي بريطانيا لا توجد صعوبة في الحصول على وجبات حلال، سواء من المطاعم العربية والآسيوية المنتشرة في كافة المدن البريطانية، أو من منافذ السوبر ماركت التي تبيع اللحوم الحلال.

وتنتشر أيضا الأطعمة الحلال إلى الكثير من الأندية والمنشآت الرياضية والتي يذكر منها نوادي إسكوت وتويكينهام وويمبلي وكلية تشلتنهام، وسلسلة فنادق ويتبريد والكثير من المدارس والكليات الدراسية وحتى المستشفيات الحكومية. وقلما توجد مدينة بريطانية لا تقدم فيها مطاعم منتجات حلال لمن يطلبها، وأحيانا أخرى لمن لا يطلبها. فقد شكت صحيفة «ميل أون صنداي» مؤخرا من أن «الكثير من المنشآت تقدم أطعمة حلال من دون تحذير روادها!» وكان قد وجه اعتراض الصحيفة هو على «الأسلوب اللاإنساني الذي تذبح به الحيوانات» بدلا من صعقها بصدمة كهربائية أولا كما يحدث في المسالخ البريطانية. ولكن الكثير من المنشآت البريطانية التي تقدم اللحوم الحلال تقول إن قرارها يعتمد على اعتبارات النوعية والسعر وليس على اعتبارات دينية.

من ناحية أخرى، تؤكد جهات بريطانية أخرى أنها لا تقدم سوى اللحوم الحلال لأن معظم روادها يفضلون اللحوم الحلال عن غيرها. من بين هذه المنشآت نادي إسكوت للخيول واستاد ويمبلي في لندن، وهو يقع في منطقة فيها جالية مسلمة كبيرة العدد. وأكدت عدة مدارس أنها تعتمد فقط على اللحوم الحلال لأن نسبة كبيرة طلابها هم من المسلمين.

وتوجد عدة شركات سياحية تتخصص في السياحة الحلال منها شركة «كريسينت» التي ترسل سياحها إلى جهات كثيرة في تركيا وماليزيا ودبي وجهات أخرى. وهي تؤكد أنها تختار بعناية الفنادق والمنتجعات الحلال التي توفر فقط ما يحتاجه روادها بما في ذلك الوجبات الحلال ومسابح وقاعات ألعاب خاصة بالرجال وأخرى للنساء. وتقدم هذه المنتجعات شواطئ خاصة بالنساء وأخرى مختلطة للعائلات يكون فيها لباس السباحة إسلاميا، وهو ما يطلق عليه البعض اسم «بوركيني»، وتقدم الكافيتريات مشروبات غير كحولية، وتوفر المنتجعات مساجد داخلها. ويتوجه الكثير من البريطانيين المسلمين إلى تركيا من أجل السياحة الحلال في المنتجعات التي تقدمها شركة «كريسينت».

وتقول سائحة بريطانية ذهبت في رحلة إلى تركيا، حيث يقدم المنتجع خدمات حلال، أن حمام السباحة الخاص بالنساء كان على سطح الفندق ولا يسمح بدخول الرجال حتى إلى المصعد الذي يصل إلى سطح الفندق. وتمنع إدارة الفندق حمل الكاميرات على النساء أثناء الوجود في محيط المسبح. وهي تقول عن انطباعاتها أن النساء كن في ارتياح نفسي وأن بعضهن كانت ترتدي لباس البحر العادي بلا تحفظ لعدم وجود رجال. وهي تستغرب عدم توجه دول الشرق الأوسط إلى السياحة الحلال على الرغم من أن سياح منطقة الخليج ينفقون سنويا 12 مليار دولار على السياحة الترفيهية.

ومع ذلك، فهناك أيضا من يعترض على السياحة الحلال، مثل الكاتبة البريطانية المسلمة ياسمين البهائي براون التي تقول إنها ترى الظاهرة مزعجة لأنها توحي بعنصرية ثقافية ودينية. وتضيف: «هذا التوجه يعطيني الانطباع أنه ليس هناك قاعدة إنسانية مشتركة، وإننا يجب أن نكون منفصلين عن العالم حتى أثناء العطلات». وترى ياسمين أن السائح المسلم يمكنه أن يذهب إلى أي مكان في العالم من دون أن يتناول أطعمة غير حلال أو يشرب الخمر، فلا أحد يمكنه أن يجبره على ذلك. وهي تشير إلى أنها لن تشعر بالارتياح لو جرى الإعلان عن عطلات خاصة بالمسيحيين البيض وحدهم.

ولكن الكثير من مرتادي المنتجعات الإسلامية يختلفون مع هذا الرأي ويؤكدون أن هذه العطلات لا تفرق بين الناس وإنما تجمعهم سويا، حيث يجد المسلمون فيها سياحا من جميع أنحاء العالم يرغبون في السياحة الحلال. كما أن بعض مناطق السياحة الأخرى تمنع ارتداء الـ«بوركيني»، فلماذا يتوجه إليها المسلمون وينفقون فيها أموالهم؟