ازدياد السرقات في لبنان.. والأساليب مبتكرة وغريبة

السطو على البيوت قد يكون تأثر ببعض الأفلام السينمائية\

مشهد من فيلم ال أيديوكيتارز الذين يسطون على بيوت الأغنياء ويعبثون بمحتوياته ويغيرون تنظيم أثاثه
TT

في لحظة معينة، تشعر وكأنك عاجز عن فهم الصدفة وتوقيتها. أفكار عدة تتقاطع عند نقطة محددة. تخيل - وهذا حدث فعلا - أنك جالس مع صديقة، تخبرك أنها حصلت على ترخيص لحمل آلة تبث إشعاعات كهربائية على مسافة معينة، لاستخدامها في وجه أي شخص يحاول التعدي أو السرقة، بعدما ازدادت عمليات السرقة والنشل. تبتسم أنت للفكرة، تفكر في الأمر بقناعة، فتردك رسالة على هاتفك، في الوقت عينه، فحواها تحذير جدي من آخر ابتكارات اللصوص والنشالين في لبنان!! «... صدفة غريبة». تبتسمان، ويبدأ التقصي عن الموضوع، مدعما ببيان رسمي صادر عن قوى الأمن اللبنانية؛ فأحدث الإحصاءات الأمنية عن السرقات تشير إلى ارتفاع نسبتها في لبنان في عام 2012 عن سنة 2011. وفي مقارنة بينهما، ظهرت الأرقام التالية: 2468 عملية سرقة موصوفة لعام 2011 مقابل 2522 لسنة 2012. 1684 سرقة سيارات مقابل 1984، 75 عملية سلب سيارات مقابل 81. 865 عملية نشل مقابل 1100، و846 عملية سلب أشخاص مقابل 1174.

الأرقام مقلقة، والموضوع يستحق التوقف عنده. الجديد هو أسلوب السرقة. نشل الحقائق النسائية موضة ما زالت رائجة، لكن لصوص اليوم لديهم ما يدهش. أنهم يرشقون زجاج سيارتك الأمامي بالبيض، فتقوم أنت تلقائيا بتشغيل المياه والمساحات لتسقط في الفخ وتنعدم الرؤية أمامك، فتنحو جانبا لإيجاد حل.. وعندها يسطوا عليك اللصوص، وهذا ما جرى مع أحد المواطنين الذي أبلغ الجهات المختصة بما حدث معه.

التعميم لا يصح، ولكن مواقف السيارات أيضا تشكل غالبا بيئة حاضنة لمحترفي السرقة. هنا في الـ«باركينغ» يظهر اللصوص والنشالون إبداعاتهم. يروي «لؤي» وهو مواطن من سكان بيروت، أنه تعرض لسرقة وصفها ساخرا بالـ«شرعية وفي وضح النهار»، حين عرض عليه الموظف في المرأب خدمة غسيل سيارته وإجراء بعض «الرتوش» في وقت غيابه، و«تعهد لي بأنني سأكون مسرورا جدا – يقول لؤي. ومع عودتي وجدت أنهم غسلوا السيارة، ولونوا بعض الأضرار فيها بشكل عشوائي. اعترضت ورفعت صوتي، فقالوا لي، وكانوا خمسة شبان، أنك ستدفع لنا مبلغ 50 دولارا أميركا، علما بأننا كنا اتفقنا مسبقا على 10 دولارات، وهددوا بأنهم لن يعطوني مفتاح السيارة وقد يحطمونها إذا لم أدفع. انتهى الأمر بدفع نصف المبلغ، لكن الصدمة كانت حين بدأت اكتشف أن قطعا في سيارتي قد استبدلت بأخرى أقل جودة وحالها سيئة. كما تبين لي لاحقا أنهم سرقوا آلة تسجيل كانت في سيارتي. واقتنعت بأن ما فعلوه من استفزازي بمبلغ الـ50 دولارا كان لإلهائي عن ارتكاباتهم الأخرى».

سلوك الطرق الجبلية، أو بعض المعابر ليلا، يعد ملائما جدا للصوص. فغالبية الطرق مظلمة، وتغيب عنها الإنارة. هنا، للنشالين الوقت الكافي والفرص الملائمة لانتقاء المارة واصطيادهم مع سياراتهم، فيعمدون إلى إيقافهم ويهددونهم بالسلاح منتحلين صفة أمنية، قبل أن يسطوا على كل ما يملك العابرون للطريق، ويلوذون بالفرار.

وقد تجد في طريقك شيئا ما أمامك يشبه طفلا مستلقيا وسط الطريق، لكن الحقيقة أن ما شاهدته لا يعد كونه دمية بحجم طفل، يستخدمها النشالون لاستفزاز حسك الإنساني، وما أن تترجل من السيارة حتى ينقضوا عليك، ويسلبوك ما تملك.

وسادت في الآونة الأخيرة قصة شاب يبلغ من العمر خمسة عشر عاما، يستدعى على عجل في حال علق مفتاح السيارة بداخلها. الشاب هذا لديه أساليب خاصة لفتح أبواب السيارات، من أي نوع، وأي طراز، لا يهم قديمة أو حديثة، من دون أن يكسر أو يخلع أي نافذة. كل ما يملك هو مجموعة من «المفاتيح السحرية»، كما يصفها، والتي يستخدم ليعطيك ما يدهش من نتائج مقابل 15 دولارا للخدمة. الشاب هذا، حذق ويقول إنه تربى في بيئة لا تهاب تفكيك السيارات إربا إربا. هو يشرعن عمله، ولكن السؤال عن عمليات سرقة سجلت من دون أي كسر أو خلع، ويبدو أن هناك جماعات تعتمد نفس التقنية.. «المفاتيح السحرية».

الوسائل والابتكارات متعددة. السرقات لا تقتصر على السيارات وحسب، فسرقة المنازل رائجة هي الأخرى. إحدى وسائل الإعلام المحلية اللبنانية نقلت عن مواطن يدعى «شادي» قوله، إن منزله تعرض لسرقتين متتاليتين من دون تمكن قوى الأمن من الإمساك باللصوص، فما كان منه إلا أن وضع كاميرات مراقبة داخل منزله لكشف الفاعل، وعندها يضيف: «شاء القدر أن يتعرض منزلي لسرقة ثالثة. شاهدت الفيديو ظهر فيه شاب لم يتجاوز العشرين من العمر، تجول في المنزل بهدوء وتناول الطعام والشوكولاته وقصد غرفة النوم حيث قام بارتداء ملابس زوجتي الداخلية، قبل أن يفتش عما يسرقه»، وهذا يذكر بعمليات السطو التي تناولتها بعض أفلام هوليوود. شادي اليوم، يلاحق السارق بشكوى لدى المخافر، و«قد أحيل ملف شادي على القضاء المختص».

المثل الشعبي «الرزق السائب يعلم الناس الحرام»، مقولة صائبة باعتراف متابعين لملف السرقة، «لكن الأساس هو إحكام القبضة الأمنية والتشدد بملاحقة المرتكبين»، تقول مريم، وهي صحافية في إحدى الإذاعات المحلية.