تونس: متنزه البلفدير.. روعة المكان رغم تعاقب الأزمان

من أشهر معالم العاصمة والأكبر على الإطلاق

يضم متنزه البلفدي 230 ألف شجرة وأعدادا كبيرة من الحيوانات («الشرق الأوسط»)
TT

تقع حديقة البلفدير على ربوة خضراء رائعة وسط العاصمة التونسية، وهي من أشهر المعالم في المدينة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى نحو 3 آلاف سنة، وكانت الحديقة غابة زيتون حولت في سنة 1891 إلى حديقة، وتم الانتهاء من تهيئتها سنة 1897، لكن المتنزه ظل مغلقا في وجه الزوار لأكثر من 10 سنوات. ويضم المتنزه نحو 230 ألف شجرة، تقع على مساحة تزيد على 15 هكتارا، وتضم أعدادا كبيرة من الحيوانات تم تزويد الحديقة بها سنة 1963، منها 61 نوعا من الثدييات، و94 نوعا من الطيور، و5 أنواع من الزواحف. وهي أكبر متنزه بتونس على الإطلاق، ولذلك يفضله الكثير من التونسيين، لا سيما في العطلات الأسبوعية والمناسبات والأعياد، وتسير إليه الرحلات المدرسية من مختلف أنحاء تونس.

وهي بذلك مدرسة مهمة تمكن الزوار، ولا سيما الطلبة، من الاطلاع على أصناف الحيوانات المفترسة والأهلية على حد سواء، إضافة لفضاءات الترفيه، ومحلات بيع المرطبات، والأكلات الخفيفة، وغير ذلك.

كان المطر ينزل رذاذا عندما أوقفنا السيارة بالقرب من المدخل الرئيسي للحديقة، ثم بقينا ننتظر الضوء الأخضر للمرور إلى البهو الكبير، حيث كان باعة الحلويات والألعاب في انتظار الصغار لبيع أكبر عدد ممكن من بضائعهم.

وقال العم حسين (60 سنة) وله 5 أبناء، الذي كان يبيع لعبا وكرات مربوطة بخيط بلاستيكي هزاز، لـ«الشرق الأوسط»: «لي أكثر من 20 سنة في هذا المكان، وكل يوم يختلف عن الآخر؛ فأيام العطل مختلفة عن سائر الأيام، حيث تأتي رحلات مدرسية كثيرة، ونبيع ما كتب الله لنا».

لم يذكر العم حسين ما يجنيه يوميا من بيع اللعب الصغيرة والبسيطة، ولكنه أجاب بكلمة يقولها التونسيون عندما لا يريدون الإفصاح عن شيء: «هكاكا».

بجانب العم حسين، أو على مقربة منه، كان تاج الدين (48 سنة) الذي يرسم على لوحات من الورق المقوى أسماء زوار حديقة البلفدير الراغبين في الاحتفاظ ببعض الذكريات: «أعمل هنا منذ فترة طويلة، وأقوم بكتابة أسماء الزوار بالخطوط المعروفة».

وحول الإقبال أفاد بأنه «ليس هناك اهتمام بفنون الخط إلا قليلا، وأكثر المقبلين هم من أولئك الصغار الذين يرغبون في إهداء آبائهم وأمهاتهم لوحات مكتوبة عليها أسماؤهم، فيطلبون مني كتابة أسماء أوليائهم أو عبارات الثناء والشكر لهم، ليعطوها لهم عند عودتهم».

أحيانا يطلب الكبار من تاج الدين كتابة أسماء الزوج أو الزوجة، سواء بحضورهما معا أو في غياب أحدهما؛ وذلك «للتعبير عن الحب والاهتمام، وأنه أو أنها تظل دائما على البال».

العم مبارك (ينطقها التونسيون بتسكين الميم) (63 سنة) كان على باب البلفدير يبيع أعلام الفرق الرياضية التونسية، ولا سيما فريق الترجي والأفريقي، جنبا إلى جنب مع أعلام تونس. ويبلغ سعر العلم الواحد 1500 مليم، وقد أجاب بدوره عما إذا كان راضيا عن عوائد تجارته الصغيرة بقوله: «هكاكا».

للحديقة باب حديدي ضخم، لكن لا يفتح منه سوى بابين صغيرين فرعيين، أحدهما على اليمين للدخول، والآخر على اليسار للخروج، حيث يدفع الصغار مبلغ 500 مليم للفرد و800 مليم للكبار.

تعد حديقة البلفدير من أروع الحدائق في العالم، ليس بكثرة الطيور والحيوانات بداخلها، وإنما لتضاريسها الطبيعية، وخضرتها الفريدة، وموقعها الهام، وهندستها البديعة، ولا ينقصها سوى نهر اصطناعي من المؤكد أنه سيضفي عليها رونقا وجمالا لا يضاهى.

يلاحظ الزائر الكثير من الطيور والحيوانات، كما هو موضح في بيانات الحديقة، ولا سيما الخنازير والماعز والبط والإوز والنعام والطاوس، والغزلان مختلفة الأنواع.

أما الأسود فلن يشاهد سوى زوجين، وكذلك النمور، ووحيد القرن، والدببة، والسلاحف، والقنافذ، كما أن بعض أحواض البط والإوز تحتاج للنظافة، وكذلك زريبة الأبقار.

وقال الخبير البيئي عدنان التواتي: «لا شك أن الحديقة تأثرت كثيرا بالإهمال الذي تتعرض له، وهي في حاجة إلى إصلاحات كثيرة، من بينها إعادة جرد موجوداتها، ومراجعة مصاريفها، من خلال الدفاتر الخاصة بها، والعناية بنظافتها ونظافة الحيوانات داخلها، وتشديد الرقابة على العناية بصحة نزلائها من الحيوانات والطيور، فهي مكسب لا يقدر بثمن».