عن مدينتي أحدثكم

عبد الرزاق أبو داود

TT

إنها جدة.. عروس البحر التي شاخت فأصبحت عجوزا تتوسل العون والمساعدة بعد ما أصابها عقوق «بعضهم» بالهرم مبكرا، فأضحت في بضع عقود مثالا لكيفية تدهور المدن واندحارها أمام هجمات الجشع والانقضاض؟! عروس البحر التي كانت روسا ذات يوم صارت ألعوبة في يد «جشعين»، أوديتها الطبيعية ومجاري سيولها وشواطئ بحرها خططت وردمت لكي تتحول إلى أراض «مفخخة بيئيا» تباع للمضطرين وذوي الدخل المحدود والباحثين عن مجرد أسقف تقيهم حر الصيف وبرودة الشتاء و«سماجة«واختناق الرطوبة العالية، فسكنوا بطون الأودية ومجاري السيول.. وفي غفلة جاء «الطوفان» جارفا هادرا لا يلوي على شيء أو يعيقه ردم أو اسمنت وحديد.. وغرقت بيوت هؤلاء «الأبرياء» في ما يقارب 98 مم فقط من الأمطار.

لك الله يا عجوز البحر، كيف كان يمكن أن يكون حالك لولا البادرة الملكية الأبوية التاريخية التي أطلقها وفعّلها ملك القلوب «عبد الله بن عبد العزيز». ملك حبيب.. رحيم. معني دوما بقضايا شعبه.. وتطور بلاده.. فكان قراره التاريخي غير المسبوق الذي أثلج كل الصدور.. وبلسم كثيرا من الجراح، وأصبح الكل في انتظار نتائجه.. ليحاسب المقصرون مهما كانوا وأين كانوا.

اليوم - وجدة تترحم على شهدائها وتلملم جراحها- يلتقي عملاقاها الأهلي والاتحاد في لقاء كلاسيكي رغم الحزن والأسى والجراح القاتلة التي أصابت مدينتهم. المباراة مهمة للفريقين، فالأهلي يحاول تعويض كثير مما خسره من نقاط بعد استقالة مدربه واستلام مدرب شباب النادي للمهمة، وظل غياب بعض نجومه المهمين كمالك والجاسم وعبد ربه والنجعي ولاعبين أجنبيين، في حين أن الاتحاد يغيب عنه نور وكريري وتعويض خسائره الأخيرة في بطولة آسيا وأمام الشباب والاتفاق.

مباراة تقليدية يصعب التنبؤ بنتيجتها، ولكنها ستكون حافلة بالجهد والعطاء، وسيفوز من يكون أكثر هدوءا وانتظاما واستغلالا للفرص، والأقدر سيطرة على منطقة المناورات الأساسية في وسط الملعب والأطراف، وإقفال المنطقة المركزية شديدة الخطورة أمام المرمي بشكل جيد من خلال تماسك قلبي الدفاع وقيام المحورين أمامهما بدورهما المرسوم بشكل صحيح.

ترى من سيرسم الفرحة على وجوه جماهيره؟ الأهلي بعنفوانه ورغبته المتجددة.. وتغير بعض عناصره ومدربه.. وربما طريقته.. ورغبته في التعويض، أم الاتحاد بمدربه الملم بخبايا المنافسات الكروية السعودية ومستويات فرقها، رغم النقص الذي يعانيه الفريقان.. وان كان متفاوتا في تأثيره ومداه في ظل توافر أو عدم توافر بديلة كافية ومؤثرة؟

جماهير الناديين متعطشة للقاء كروي تقليدي قوي وجميل، لقاء يقوم على التنافس الشريف بعيدا عن أي خروجات على النظام والقانون. في رأينا أن الأكثر سيطرة على أعصابه وتصرفاته وتحركاته، والأقدر على الانتشار والتنظيم وتنفيذ تعليمات مدربه، وسد الثغرات، وإحكام التمريرات والتسديدات، واستغلال الفرص المتاحة سيكون الأقرب للفوز، وربما يقتنع الفريقان بتعادل ما نتيجة عدم القدرة على تجاوز التحصينات الدفاعية المتوقعة من الطرفين في ظل الرغبة المتأصلة لديهما في عدم الخسارة أمام جاره تحديدا.

مدربا الفريقين سيكون لهما دور مهم جدا في تحديد التشكيل والخطط والوظائف والتغيرات وتوقيتها، بالإضافة للإعداد التكتيكي والبدني والنفسي وهو ما سيكون عاملا آخر مهم جدا فيما ستؤول إليه نتائج هذا اللقاء الجداوي الكلاسيكي المستمر على مدى عقود وعقود. لننتظر ونرى من سيكون أكثر ذكاءا وقدرة على فرض سيطرته، وتحقيق أهدافه، والفوز بنقاط المباراة التاريخية المثيرة مهما كانت ظروف الفريقين.