جينا نكنس بيت الله

محمود تراوري

TT

«لا إله إلا الله.. جينا نكنس بيت الله». جملة يتذكرها جيدا من انتمى لأجيال طلاب حقب الأربعينات والخمسينات والستينات الميلادية من القرن الماضي، حين فاض الماء في (سيل الربوع)، واستوى نفر من الطائفين على سطحه يؤدون الطواف حول الكعبة سباحة.

يومها ـ وفق مرويات الكبار ـ خرج طلاب وشباب مكة وفي أيديهم المغاريف والسطول والمكانس، وفي حناجرهم تتعالى صيحات (الزومال) (.. جينا نكنس بيت الله). وعلى مدى أيام وبانهماك (الشبيبة) تمت إزاحة مياه المطر من بطن المسجد الحرام، وتم في ما بعد إنشاء مشروع تصريف مياه السيول الذي عرف عند المكيين بـ(بير ياخور) حيث مياه الأمطار تنزاح عن قلب الحرم الواقع طبوغرافيا في قلب وادي إبراهيم، لتسير السيول عبر مجرى إلى نواحي الجنوب في المسفلة وما بعدها.

في كارثة سيول جدة الأخيرة (وقعت أربعاء أيضا، لست أدري ما سر اختيار السيل الفاتك يوم الأربعاء دائما؟!) التي تزامنت مع وجود عشرات (الشبيبة) من الكشافة في المركز الكشفي لرعاية الشباب الذي ظل يقدم خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام على مدى أكثر من ثلاثة عقود، تمنيت لو أن أحدا من القائمين على المركز جالت في خاطره فكرة إرسال شباب الكشافة عقب انتهاء مهمة الحج إلى جدة للانخراط في عمل تطوعي يقدم شيئا لمنكوبي السيول، ويتماهى مع المبادرات الجميلة التي أطلقها كثير من الأهالي والمحبين في المدينة مثل المجموعة التطوعية لفريق «نادي شباب المملكة»، ويحيون عملا تطوعيا نبيلا هو من أهم ركائز ومقومات النشاط الكشفي الذي شهد إهمالا وتجاهلا مريعا في الأندية الرياضية خلال العقد الأخير. بعد أن كان له حضور لافت منذ مطالع السبعينات الميلادية إلى منتصف الثمانينات حين اختطف النشاط الكشفي وتمت أدلجته.

العمل التطوعي لخدمة المجتمع شكل من أشكال الوعي الناضج للمجتمعات التي تتطلع لحياة مدنية تضج بكل ما هو بهي ومشرق.

ولأن الوقت لم يفت بعد، يمكن لمكتب رعاية الشباب بالمنطقة الغربية البدء فورا في ممارسة نشاطات وفعاليات تطوعية خدمية في الموقع المنكوب، وبما يمثل سعيا ومحاولة جادة لإعادة إحياء النشاط الكشفي والاجتماعي في المؤسسات الرياضية، وبروح عصرية لها امتدادات بذاك الزمن الجميل الذي كان يتوهج فيه النشاط الاجتماعي فيها، ولم يتبق منه سوى مركز خدمات الحج.

تحية وارفة لمئات الشباب المتطوع هناك الآن وهم يحيطون بـ(أحزان أعشاب برية) في شرق المدينة المنكوبة.

راجيا أن يكون فريقا الأهلي والاتحاد قد استجابا عمليا للدعوات التي ذكرتهم بنبل تخصيص ريع لقائهما أمس للمتضررين من الأمطار.