حنين الرماد

محمود تراوري

TT

كم من الوقت مر على رحيل (رائد الحمدان رحمه الله)، أحد الإيقونات التي ستبقى مضيئة في لوحة التاريخ الرياضي السعودي، بحضوره الزاهي «فنيا وسلوكيا» في ميادين كرة الطاولة؟ جاء من المجد (القيمة وليس النادي) امتدادا لحقبة (أكبر إخوان) وحلمي زاهد، ليتصل به زمن (بندر العميري)، و( نبيل مقهوي) الذي لوح به الأهلي في زمن التنافس الرياضي الوقور والشريف، لتدار الرؤوس إلى الطاولات الصغيرة الخضراء في ديربيات تنس الطاولة.

يا الله (تنس الطاولة) كانت تثير اهتماماتنا وبشغف ليس فيه لغط وخواء ما يحدث الآن!!

عفوا.. تبدو الصورة مشوشة، والمعلومات متضاربة عن أزمنة كان للبطل الرياضي حضور فيها يملأها معاني تعبر عن نبل الرياضة. ليس شرطا أن يكون آتيا من مفازات كرة القدم فقط، فميادين الألعاب الفردية كانت تقدم نجوما لهم جماهيريتهم وسطوتهم. نجوم كانوا يفرضون هيمنتهم بجمال حتى على الامتداد العربي. من يتذكر أن كرة الطاولة السعودية كانت إحدى أقوى المدارس العربية في هذه اللعبة في فترتي السبعينات والثمانينات من القرن الميلادي الماضي، وتهيمن وتنافس على معظم البطولات العربية؟ وهو ما انعكس على المستوى الاجتماعي، فسجلت اللعبة حضورا قويا في المدارس والشوارع وأزقة الحارات البهيجة ـ على الأقل حسبما كنت أرى وأعيش في مكة المكرمة ـ قبل أن ينطفئ كل شيء، كأن الزمن قد توقف، ولم تعد الأرض ولادة، ولا الواقع قادرا على إنجاب المواهب الكبيرة التي تصنع شيئا وتتجاوز الأفق المحلي لتفرض حضورها ببطولات وأرقام ومنجزات، وإن لم تفعل ذلك، فيكفيها على الأقل أنها تمثل ملاذا لشباب حائر، إن لم يملأ وقته، ستأكله وحوش الفراغ الضارية.

من يستطيع أن يتذكر الآن اسم بطل سعودي أولمبي أو حتى محلي في تنس الطاولة، أو آخر بطولة حققناها؟

فيما يشبه حنين الرماد نستطيع أن نتذكر أنه في تلك الحقبة التي قلت بها وأصفها بأنها كانت فترة إشراق رياضي، قبل أن تنصرف أفكار الشباب إلى انحرافات آيديولوجية أو أخلاقية، حقق (هيثم برمندة) من نادي الوحدة ذهبية الجمباز في إحدى دورات الألعاب العربية بالعراق وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، مما كان يؤهله كمشروع لبطل أولمبي بامتياز، ولكنه سرعان ما أنطفأ كما ينطفئ كل شيء جميل لا نلتفت إليه باهتمام.

كذا كنا نتوافر على أبطال في ألعاب المصارعة، والملاكمة، والسباحة، وألعاب القوى، وهذه وحدها كانت بطولاتها ومسابقاتها بمثابة كرنفال في المدارس والحياة العامة، ولكننا الآن لم نعد نرى أحدا يجري في الشوارع وأرصفتها مكتظة بالنظارة والمشجعين، على نحو ما كان قبل أكثر من ربع قرن، وبصورة يفترض أن تكون نهايتها المنطقية والطبيعية لمجتمعات تنمو أن تتطور هذه الممارسات وترتقي، لتكون أكثر وجودا في الحياة، وتمنح (المجتمع) البهجة وترتقي بأحاسيسه وتهذب سلوكياته وتعاطيه مع الممارسة الرياضية، وتحول دون انخراط شبابه في التيارات الضالة.