«الاتحاد» «من يكش التراب؟»

محمود تراوري

TT

لا أعرف بالضبط تفاصيل الوضع الإداري في «الاتحاد»، أعرف بعضا من تراكمات ما يمكن أن نسميه «صراعات مراكز القوى وتحالفاتها وتوازناتها»، تلك التوازنات التي عادت إلى التصدع منذ ترك منصور البلوي الرئاسة، وما أعقبه من حوارات و«تراشقات» بين أركان النادي وشرفييه، بل وحتى لاعبيه، حتى جاء فقدان فريق كرة القدم للقب القاري، وكان بمثابة الهزة الأخيرة التي أطاحت بكل شيء جميل يمكن أن تتخيله لهذا النادي العريق، ولعل أوضحه تلاحم أنصاره، الملمح الأول الذي يميز الاتحاد بتقدير كثير من المراقبين.

اللافت في الحكاية هو تعاطي الاتحاديين مع الأزمة في شقها الإعلامي وتجاذباتها الصحافية التي تضيف إلى المشهد كثيرا مما لا نتردد كثيرا في تسميته «البهارات الحريفة» و«كش التراب»، وللتعبير الأخير معانيه في أدبيات الحجاز.

فإذا كان من حق الصحافة أن تتعاطى مع الشأن الاتحادي وفق الممكن كله من فنون العمل الصحافي واستثمار جماهيرية النادي وشعبيته، فعلى مسيري النادي من شرفيين وإدارة ضرورة الالتفات إلى إرساء صيغة تنأى بالنادي عن تأجيج المشكلات، وهذا لن يتم – في تقديري – إلا بإقرار سياسة إعلامية تقلل من كل «الهياج»، الذي بالضرورة كان له تأثير سلبي في تسريع وتيرة الانقسامات التي «ينكوي» النادي بسعيرها الآن، خاصة مع تضاؤل فرصة المنافسة على بطولة الدوري إلى حد بعيد موضوعيا، لا حسابيا.

وتغيير طريقة الذهاب «إلى أهل الموقف والرأي في هذه المهنة - الصحافة - التي نادرا ما استقامت علاقتها بالمسؤولين، لأن من طبيعتها كما من واجبها أن تتولى الترشيد بالنقد لا بالممالأة، وأن تدل على الأخطاء لا أن تحرق البخور على أعتاب الشرفيين والإداريين».

وإن كانت الصحافة تحفظ للاتحاد تعاطيه الشفاف معها، فإن المسألة بات يعوزها قدر من الرصانة والرزانة والترشيد.

قد لا يمكن طلب الرزانة من بعض أعضاء الشرف «أهل الخفة»، الذين لا يملكون ما يؤهلهم للعمل القيادي سوى أوراق البنكنوت، وهذا وحده ليس كافيا لاجتراح فعل إداري خلاق، أو كما قال أستاذنا عادل عصام الدين: «الملايين وحدها لا تدير الأندية».

صحيح أن للوجاهة وأضواء الشهرة سحرا وجاذبية لا يمكن أن تقاوم، ولكن هذا يمكن انكشافه مع مرور الوقت، بحيث يدرك الجمهور الذي بات يملك من الوعي ما يكفي أن هناك طلاب أضواء و«جعجعة»، ما يتطلب رؤى قادرة على احتواء هؤلاء، والتوصل إلى صيغة معهم تكفل استمرار دعمهم المادي للفريق، مع ضمان عدم تمدد حضورهم السلبي المشوش على رؤية إدارة النادي. وهذه مشكلة تعانيها بعض الأندية العريقة - «الوحدة» على سبيل المثال - التي ظلت التجاذبات الشرفية/ الإدارية لسنوات طويلة تحول دون أن تنهض على جراحاتها بعمل إداري سليم ومتوازن ومقنن يفضي بالتالي إلى استقرار ينعكس إشراقا على أداء النادي.