كرة القدم وفيفا إلى أين؟

أ.د. عبد الرزاق أبو داود

TT

كثيرون يعرفون أن كرة القدم هي لعبة تتطلب قدرات جسمانية معينة، وآخرون يدركون أن هذه القدرات يجب أن تواكبها قدرات فكرية «ذكية» تساعد على توظيف القدرات البدنية لتحقيق الأهداف الأساسية التي تدور حولها منافسات كرة القدم. ولما كان الجمع بين هاتين المجموعتين من القدرات يبدو غير متوافر في كل من ركل كرة قدم، ظهر صراع رهيب على استقطاب اللاعبين الذين يملكون أعلى درجة ممكنة من التناسق العضلي الفكري الذي يمكن أن يقدم لنا كرة قدم ممتعة وناجحة ومسلية، ناهيك عن فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والترفيهية وغيرها.

منافسات كرة القدم تجرى كل عام في معظم أرجاء العالم، وتتزايد حدتها عاما بعد آخر، وتتبدل وتعدل قوانين اللعبة باستمرار، وتتباين وتكثر خطط وطرق اللعب، ويرتفع نجوم ويخبو آخرون، وتتقدم فرق وتتوارى أخرى، وتتزايد قبضة وسيطرة الفيفا وتفرعاته الرهيبة «حدة» على مسيرة كرة القدم حتى وكأني أحلم بيوم يصدر فيه الفيفا وبعض الاتحادات القارية «تنظيمات» أو برامج يومية «حياتية» «ملزمة» للاعبين والأندية عن كيفية استغلال الساعات الـ24 في كل يوم بين نوم وتدريب وأكل وترفيه وما إلى ذلك.

الفيفا خطط وعمل بقوة لجلب مزيد من المال، ونشر وتوطين مزيد من أنشطة كرة القدم، وتعميم مزيد من القيود والأحكام والأنظمة والتعديلات وغيرها من القوانين، وضغط على الاتحادات القارية لتقبل بذلك تحت طائلة العقوبات، وهذه بدورها ولأسباب مختلفة تمررها إلى الاتحادات المحلية التي تبدو في كثير من البلدان مجبرة على تقبل ذلك وتمرير كل ما يصدر عن الفيفا إلى الأندية التي هي في البداية والنهاية عماد كرة القدم وعليها تنفيذ ما يصدر إليها شاءت أم أبت.

ما لا يحيرني هنا أن الأندية تعتبر كل ما يصدر عن «الفيفا» امرا «مقدسا»، وتنسى أو تتناسى أن هذه المنظمة الكروية العالمية تطورت تدريجيا من رابطة للاتحادات الدولية إلى مؤسسة رياضية اجتماعية مالية تنظيمية عملاقة تملك الكثير من السلطة وتقدم القليل من المال والدعم، وتتباهى سنويا بإصدار عشرات المجلدات والأنظمة والقوانين والصور والميداليات، وإقامة حفلات التكريم، ومحاولة تسويق منافسات كرة القدم وتحويلها إلى «صناعة روتينية صرفة» تدر أكبر قدر ممكن من الربح الذي لا نعلم تماما كيفية صرفه.

ونظرا لحساسية الموضوع وحساسية المنظمة الكروية العالمية التي يسيطر عليها الأوروبيون تقريبا، ونظرا لضيق المجال هنا، اختم بالقول بأن هناك حاجة ماسة لمعرفة الأنشطة الحقيقية التفصيلية كافة التي تقوم بها هذه المنظمة، وكيفية صرف أموالها التي تربحها من هوس الجماهير بكرة القدم، وهوس شركات الدعاية والإعلان بوضع إعلاناتها ضمن سياق نقل مباريات كرة القدم، حيث إن كثيرا من البشر قد أصابتهم عدوى «فيفا» وكرة القدم م ندون التساؤل عن كيفية صرف هذه الأموال. تساؤلات قصيرة «بريئة» فقط لفيفا: كم ملعبا أقامته لكرة القدم في الدول الفقيرة؟ وكم مدربا من هذه الدول قدمت لهم دورات تدريبية حقيقية مكثفة؟ ولماذا لم تسع إلى إقامة منافسات كأس العالم في دول فقيرة؟ والإجابة عن السؤال الأخير غير ضرورة بالطبع لأنها معلومة سلفا!!