أهازيج في الذاكرة

محمود تراوري

TT

عندما كانت جماهير الاتحاد تملأ حناجرها مساء الأربعاء الماضي بأهزوجة (آه يا حمزة) شاقة الفضاء معبرة عن حجم العشق والوله بلاعب كبير ينتمي لسلالة اللاعبين الذين لن يرحلوا من الذاكرة والوجدان سريعا، بل تبقى بصمتهم مشعة في ممرات التاريخ، كانت تتداعى إلى ذهني أهازيج الملاعب التي تتحول إلى أيقونة يكتب لها الخلود، وهو الشيء الذي بات قليلا إلى حد الندرة في زمننا هذا.

فالذين عاصروا التاريخ الرياضي في العقود الأخيرة يتذكرون في المحيط العربي من الملاعب المصرية أهازيج (حسن شحاتة يا معلم.. خلي الشبكة تتكلم)، وتلك الأهزوجة التي كان يرتج لها ستاد القاهرة الدولي وهي تخرج حادة - حارة من حناجر المصريين (بيبو... بيبو) بنفس واحد يتغنون بنجم الكرة المصرية الخالد خلال سبعينات القرن الماضي (محمود الخطيب). ولاشك أن طبيعة الحياة الاجتماعية المصرية كانفتاح وتعدد ثقافات وحضارات تغذت منها، تكفل حضور الأهزوجة والإبداع فيها. أما على صعيد الشمال الأفريقي فتحضر في الذاكرة أهزوجة التوانسة (ترجي يا دولة).

وإذا عدنا للواقع السعودي، فربما يتذكر الذين عايشوا الحراك الكروي في ساحة إسلام بمكة والصبان بجدة فترة الستينيات الميلادية، يتذكرون جيدا لاعب الوحدة الذي صار بعد اعتزاله أحد أوائل المدربين الوطنيين (سليمان بصيري)، وهو يخوض حوارا خاصا مع الأسطورة (سعيد غراب) خلال لقاءات الوحدة والاتحاد اللذين كانا يتصدران المشهد في تلك الحقبة، حين كانت تهدر المدرجات (يا غراب فيك البصيري).

قبل حوالي عشرين عاما كانت جريدة الرياضية تنشر أسبوعيا صفحة بعنوان (نجوم زمان)، أتذكر أنني استضفت فيها البصيري ، وروى لي يومها قصته مع تلك الأهزوجة، معترفا بأنه كان في أواخر مشواره الكروي، بينما نجم الغراب يبزغ للتو، وكان هناك فارق مهاري وسني بين الاثنين. قال البصيري إنه كان يلجأ للعامل النفسي كي يحد من خطورة النجم الشاب الغراب، وكان جمهور الوحدة يدعمه في ذلك، وهو يعلي من صراخه (يا غراب فيك البصيري)، حتى يتوتر الغراب - والكلام للبصيري- فيبدو كمن يحاول الخروج من قميصه، وهنا يباغته جمهور الوحدة (يا غراب شق الفنيلة). غير أن شهود تلك المرحلة يروون أن الغراب رغم ذلك، كان قادرا على الجندلة بمهاراته التي يصفونها بأنها لم تتكرر حتى الآن في الملاعب السعودية، مع إقرارهم بسلبيات لدى الغراب، أبرزها ضعفه في ألعاب الهواء، وخشيته الالتحام مع المدافعين.

ظاهرة الأهزوجة الرياضية إذن تحضر في المدرجات مجلوبة من إيقاع المجتمع، من نداءات الباعة وضجيج الحوانيت، من حداء الراحلين وعذابات العشاق وأناتهم، وليس أكثر أنينا في هذه الأيام من عشاق كرة القدم.

ماذا؟

هل يمكن الآن أن تسترجع جميع الأهازيج التي مرت بك؟