دوران حتى الدوخان

مصطفى الآغا

TT

من نافل القول إن أي حكم في العالم هو بشر يصيب ويخطئ، ومن نافل القول إن فريقا أو منتخبا بذل الغالي والنفيس كي يفوز بمباراة أو لقب من حقه أن يغضب عندما يقرر خطأ بشري مصيره بصافرة تنطلق في أقل من جزء من الثانية.. وبما أن كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم ويمارسها الغني والفقير والمعتر والدرويش وابن الذوات وأولاد الشوارع، لهذا من المستحيل تطبيق التكنولوجيا على مباريات الكرة في أرجاء المعمورة ولهذا فالجدل حول هذه النقطة أزلي لم ولن ينتهي ما دمنا نمارس هذه اللعبة وما دامت هناك أخطاء.

ولا أعرف إن كان من العدل بمكان أن نسمح للأندية الغنية القادرة على استقدام حكام أجانب «وهم بشر بالمناسبة وليسوا من كوكب المريخ أو زحل» ليقودوا مبارياتهم؛ درءا لأي شك في صافرة قد تكون منحازة أو قابلة للضغط أو - بكل بساطة - غير قادرة على التأقلم مع الضغط، فيكون صاحبها مترددا أو أقل من مستوى الحدث الذي يقوده، فيما نحرم الأندية الفقيرة ماليا من هذه الميزة.

وبالتالي فالأجنبي ليس هو الأفضل ولكنه قطعا متحرر من الضغوط ولا يعرف فلان من علان ولا يهمه إن فاز الفريق الوردي أم البني.

ولكنه أيضا سلاح ذو حدين.. فهو فعلا يقلل من حجم المناوشات بين الأندية ويخفف من حدة الاتهامات، وفي نفس الوقت يحرم الحكم المحلي من فرصة إدارة مباريات مهمة تساهم في تقوية شخصيته التحكيمية. ولا أظن أن أي حكم في العالم يستطيع أن يكون عالمي الصافرة ما لم يتميز محليا، وإلا كيف سيكون الأبرز في بلده وكيف سيرشحه اتحاده لقيادة مباريات خارجية إن كان مستواه هزيلا في بلده؟

الكل - عربيا - يشتكي من التحكيم ومن ضغوطات الأندية الكبيرة ووسائط إعلامها على الأندية «الأقل حظوة» ولكن عندما تتشابك القوى العظمى بين بعضها بعضا يكون المحلي خيارا غير مطروحا على الطاولة. وهنا يحضرني سؤال: ألا يقود الحكام الإسبان مباريات ريال مدريد وبرشلونة. وألا يقود الإنجليز مباريات مانشستر وليفربول وتشيلسي وآرسنال؟ وألا يقود الطليان مباريات الإنتر وميلان ولاتسيو وروما؟

حتى يكون حكمنا المحلي مقبولا يجب أن يكون ظهره محميا، ويجب أن يكون مسلحا بالخبرة، ويجب أن يعرف كيف يقود مباريات كبيرة وتحت ضغوط هائلة. وهذا لن يحدث ما لم نمنح هذا الحكم الفرصة كي يقوى عوده وتصلب صافراته. ويجب على الجميع أن يتقبلوا هذه الصافرات مهما بدا جورها كبيرا وعظيما. وفي نفس الوقت يجب على اتحادات الكرة أن تضرب بيد من حديد أي حكم يثبت تلون صافراته حتى ولو كانت بشكل غير متعمد حتى يكون عبرة لغيره وحتى يسود العدل بين الجميع. ولكن المشكلة أن هناك من يشكك أصلا في حيادية اتحادات الكرة العربية وتفضيلها لناد على آخر وهنا نعود لنفس الحلقة المفرغة ويصبح الأجنبي هو الخيار الوحيد. وما بين عربي و محلي وأجنبي، سنبقى في هذا الجدل البيزنطي ندور وندور وندور حتى ندوخ.. فنرتاح قليلا ثم نفيق، وبعدها ندور وندور وندور حتى ندوخ ونقع.. وهكذا دواليك.