سوق غير منضبطة

أ. د. عبد الرزاق أبو داود

TT

مع تزايد الاهتمام بكرة القدم في مجتمعاتنا التي اكتسحتها الإعلام الرياضي، أصبح اللاعبون العنصر الأهم في عملية رياضية اقتصادية معقدة.. هم نجوم المسرح بكل الأحوال ما دام العطاء والنجومية متوفرين. ومن أهم العوامل التي أدت إلى هذا الوضع الذي أصبح فيه لاعب كرة القدم نجم النجوم الحراك الذي تشهده عمليات انتقال اللاعبين بين الأندية داخليا وخارجيا، وحجم الأموال الضخم الذي تشمله هذه العملية. ومن نافلة القول أن حركة انتقال اللاعبين بين الأندية السعودية أسهمت بقوة في تحويل أنديتنا، أو ما يوصف منها بالكبار، في السنوات القليلة الماضية إلى ما يشبه «المؤسسات الاقتصادية» التي يقوم عملها على أساس «اقتصاد السوق» إذا ما تجاوزنا بعض الإشكاليات والمعوقات العالقة بمسيرة هذه الأندية، التي تطورت قدراتها المادية و«مفاهيمها» و«أطرها ومسيرتها التنظيمية» بشكل جيد مؤخرا.

الأندية الرياضية السعودية تقوم سنويا، وعلى فترتين، باستقطاب لاعبين «مميزين» من الداخل والخارج بأعداد متزايدة، وبمرور الوقت تظهر أمام هذه الأندية أسواق ومواهب جديدة تدفعها إلى تنافس قوي يؤدي إلى ارتفاع متصاعد في قيم عقود اللاعبين، مما يستدعي تحركا آخر لتوفير التمويل الكافي لإتمام صفقات اللاعبين المنتقلين.

مئات الملايين من الريالات تصرف الآن على انتقال لاعبي كرة القدم السعودية محليا وخارجيا، ولا نملك إحصاءات دقيقة لحجم المبالغ المتحركة في هذا المجال، ولكن «التقديرات المبدئية» تشير إلى أنها أضخم كثيرا من مجمل ما أنفق على شراء عقود أو استقطاب لاعبين منذ انطلاق كرة القدم السعودية وحتى عام 1410هـ، ويمكن العودة إلى أرشيفات الانتقالات - إذا كانت متوافرة - وحتى قبل انطلاق الاحتراف الكروي السعودي وعقبه ببضع سنوات، وسنكتشف الفرق الهائل بين المرحلتين في هذا الصدد.

ما نود الوصول إليه هنا هو التساؤل المطروح عن: مدى الفائدة التي جنتها كرة القدم السعودية من صرف هذه المبالغ الضخمة التي تجاوزت حتما مئات الملايين من الريالات، وهل كان هذا السيل المنفلت من عقاله من الأموال، سواء كانت تبرعات أو استثمارات أو إعانات، يساوي ما وصلت إليه المستويات والإنجازات والاستثمارات (هذا على افتراض أن هناك ربحية نكاد نجزم بأنها منعدمة هنا) التي حققتها كرة القدم السعودية؟

أم أننا أفرطنا وفرطنا كثيرا في أموال أنديتنا ومداخيلها التي تتدفق عليها من جهات مختلفة، وأهدرنا جزءا كبيرا منها في عمليات انتقال وعقود فاشلة وغير مجدية ومتسرعة، وبالتالي فإن المسألة برمتها في حاجة إلى دراسات علمية تطبيقية جادة لتقنين عملية الانتقالات، ومن ثم الحفاظ على أموال الأندية، والدفع بها لتصحيح مسيرتها في هذا المجال، فالشواهد والأحداث توضح أنه لا يوجد ناد سعودي واحد إلا وكان ضحية لبضع عمليات انتقال فاشلة وهدر أموال تختلف أحجامها باختلاف القدرات المالية لكل ناد.