إسهال فكري!

مصطفى الآغا

TT

هي ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي نرى فيها بعض العرب يتحدثون ويتناقشون ويقررون ويتجادلون نيابة عن الآخرين.. فإن سمعنا بعرض مقدم للمدرب المصري حسن شحاتة من نيجيريا لتدريب منتخبها خلال نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا وجدنا الكثير من وسائل الإعلام والكثير من الجهابذة والمنتديات يحللون ويركّبون ويخططون ويبرمجون، لا بل ويفاوضون، نيابة عن شحاتة، ويقررون ما هو الأفضل بالنسبة له ولمستقبله ولعائلته، علما بأنهم لو ببساطة شديدة سألوه عن رأيه فلربما أراحهم من عناء التفكير نيابة عنه.

وهذه الأيام هناك أحاديث تتكرر كل لحظة عن عرض ساحل العاج على البلجيكي غيريتس مدرب الهلال السعودي ليكون مدرب الأفيال خلال نهائيات كأس العالم، وهناك من تحدث عن عرض من المنتخب الألماني، وآخر عن عرض من المنتخب البلجيكي، ورابع عن انتظار ليفربول للساعة التي سيوافق فيها غيريتس على القدوم مكان الإسباني بينيتز.

التحليلات تبدأ فور قراءة الأخبار (التي يكون بعضها من بنات خيال كاتبيها أو مفبركيها)، بعدها يبدأ (إسهال فكري)، حيث تمطر الدنيا تعليقات وتحليلات وتنبؤات حول ما سيفعله غيريتس في جنوب أفريقيا، وكيف ومتى سيترك الهلال، وهل سيعود إليه أم سيتركه، وما هي الطريقة التي سيلعب بها، وهل سيتواجه مع المعلم حسن شحاتة في حال قبول الأخير بالعرض النيجيري الذي تم رفضه بكل أدب واحترام، وهل سينضم لهما الفرنسي كلود لوروا مدرب عمان الذي تكاثرت الإشاعات عن نيته ترك عمان وتدريب غانا أو الكاميرون في نهائيات كأس العالم هو الآخر، علما بأنه ترك منتخبه العماني في مباراتين استعداديتين أمام السويد وفريق زيوريخ السويسري مفضلا متابعة كأس أمم أوروبا على الطبيعة، علما بأن عمان ستخوض مباراة تاريخية وفاصلة أمام الكويت يوم 3 مارس المقبل في تصفيات أمم آسيا 2011.

حتى في مسألة سامي الجابر والقناة الرياضية السعودية، هناك من نصّب نفسه إما مدافعا أو مهاجما عن سامي، أو متحدثا رسميا باسم القناة الرياضية، علما بأن جل ما يعرفه عن القضية هو ما قرأه في الصحف وسمعه على الشاشات. لدينا أزمة إسهال فكري رياضي وحتى اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي وطبي، إذ ترانا «نفتي» في كل القضايا، ونادرا ما ترانا نقول «لا نعرف».. ويبدو أنه عيب على العربي أن يقول لا أعرف أو سأنتظر حتى أعرف، لهذا فنحن نضع إصبعنا في كل شيء حتى لو كان سخنا و«ملهلبا»، لأننا ببساطة شديدة مصابون بإسهال فكري لا نعرف كيف نوقفه.

قليلا من الاندفاع، وكثيرا من الروية، قبل أن نعمل من الحبة قبة ونحن لا نعرف من القصة سوى عناوينها.