الأهلي جاري الحزين

محمود تراوري

TT

أسكن قريبا من النادي الأهلي، بمحض الصدفة، منذ أكثر من عقد من الزمان لا يفصل بيني وبينه سوى شارع عرضه بضعة أمتار، بينما بيني وبين الأهلي من الذكريات شارع عرضه العمر. فأنا أصلا من حي يعرف بوصفه أكبر حي شعبي في مكة، يتميز بجمال تنوعه الديموغرافي، وأتذكر في صغري نهايات السبعينات الميلادية، أن الحي كان منقسما في ميوله الكروية ما بين الأهلي والاتحاد في ظل وجود أقلية تميل للوحدة. في تلك الأيام وقت الطفولة الباذخة ببراءتها لم أكن معنيا باستنكار الكبار في أن ينشأ (مسفلاوي) وحداويا، فمثلما غذت المسفلة الأهلي بالكبش (سليمان مطر) وأمين بارو وعبد الرزاق معاذ، امتدادا لمصطفى شعيب وهشام عبد الحي وصفوان المولد وصولا لمعتز الموسى حاليا، أمدت الوحدة بحمادة وأحمد النيفاوي وحامد صبحي وفؤاد الخطيب وفوزي كرني وآخرين ينفرون من الذاكرة الآن. وحين أدركت وعيت وقائع تفاصيل كثيرة تتصل بنادي الشباب (المسفلاوي) أحد أندية مكة في تلك (الزمانات) ما قبل الستينات الميلادية حين كانت الكرة تشتعل في مكة بأكثر من خمسة أندية، تهيمن عليها الوحدة، وعرفت سر ولاء غالبية (المسفلاوية) للأهلي الذي ذهبت بعض التفاسير إلى تبريره بتعالي الوحداويين، تماما مثلما هو ولاء (العلمين) فريق النور موسى وعلي صغير للاتحاد.

ذات يوم كان الأهلي أملا حاضرا لكثير من (المكاكوة)، كان كذلك الاتحاد حاضرا استحق مدائح ولوعة عشاق كثيرين.

كان يمكن للوحداويين أن يستحقوا مدائح وعشقا مماثلا لكن لأمر ما (جدع قصير أنفه)!

لست في وارد الحديث عن الوحدة الآن، لكني أردت مقاربة الحزن الأهلاوي العميم الذي أراه أقل من أفراح لم يكن لها داع أطلقها الأهلاويون قبل النهائي، وتحديدا بعيد تجاوز الشباب، وبطريقة تؤكد أن الانشغال العاطفي يمثل واحدا من مآزق الأهلي الكبرى منذ سنوات طويلة.

في بداية الموسم لمسنا رضا من أنصاره وما هي إلا لحظات حتى انقلبوا على الفريق، وظل هذا الغضب مشتعلا حتى تجاوز الفريق الشباب في نصف النهائي. وأتوقع بدءا من مساء الجمعة انقلابا جديدا يطالب بالغربلة، ويلقي باللعنات على المدرب والتحكيم وحتى عشب الملعب، ليبقى الكل بعيدا عن المشكل الحقيقي الذي لا أزعم أني أعرفه، قدر ما أعرف أن ما حققه الهلال نتاج طبيعي لالتفاف شرفي ووعي مهني تراكم على مر السنين جعل الفريق يدار بصورة شبه مؤسساتية.

الفكر الجماعي/ المؤسساتي هو الطريق الوحيد لتحقيق النجاح بل الحفاظ على النجاح مستمرا.

أتكلم عن السيرة الهلالية ذاهبا إلى سكني وحزن موحش يغمر طرقات كانت ستتحول (عاطفيا) إلى فيضان فرح مؤقت ربما يقلق لدرجة اعتباره غير معقلن.

دائما الفرح المؤقت يجعلنا لا نرى.

مبارك للهلال وهارد لك للأهلي جاري الذي أظن أنه بخير إن سلم من ردة فعل (العواطف).