كرة القدم والثقافة..!

منيف الحربي

TT

قبل ما يزيد عن خمس سنوات، كتبت في هذه الزاوية مقالة (على جزئين)، عن كتاب «كرة القدم في الشمس والظل» للكاتب الأورغواياني إدواردو غاليانو، والأسبوع الماضي كان النادي الأدبي في الرياض يستضيف الناقد الجميل محمد العباس، الذي ألقى محاضرة بعنوان: «المثقفون وجماليات كرة القدم»!.

كرة القدم كما يقول غاليانو هي مرآة للعالم، وبزعمي أن الثقافة مرآة أخرى تعكس جوانب إنسانية إضافية، لهذا تجلى العباس في محاضرته الرائعة، وهو يحاول إيجاد قراءة أخرى لعلاقة الأدب بالكرة أو المثقف بالشعبي، فهو يقول: «غاليانو يقر الجانب المظلم لكرة القدم المتمثل في تحويلها الدراماتيكي إلى صناعة قابلة للتصدير عبر تكريس العبودية التي يدفع ثمنها لاعب محترف ليتحول رهينة عند رجال أعمال هم بمثابة مالكين لصك آدميته».

ويشير العباس إلى أن أمبرتو (وهو أحد المفكرين المعاصرين) قد أسهم برؤية شبه كاملة عن إشكالية تلقي «نص كرة القدم»، الذي يقول العباس إنه قادر على التحدث بكل لغات العالم، فأمبرتو تبنى موقفا يستند على التجابه الدائم بشأنها، واستطاع أن يثير الزوابع الكلامية في أكثر من مناسبة فيما يبدو أنه تكريس لمقولة راسخة عند المثقفين، يتم بموجبها تصنيف كرة القدم كلعبة أسياد يؤديها العبيد بالنيابة عنهم، ويضيف: أعاد إيكو هذه العبارات القدحية إلى الواجهة، ومارس عبرها تفكيك النشوة الجماهيرية الآخذة بالتمادي حين وصف اللاعبين بأنهم عبيد العصر! ويكمل العباس حديثه: «إنه لفهم بعض المواقف المتشددة إزاء هذا النوع من الرياضة لا بد من العودة إلى نقطة الاحتدام بين الرياضة باعتبارها خطابا جماليا لممكنات الجسد الروحية والمادية، وتجليات الخطاب الثقافي خصوصا الفلسفة التي لا تقبل أن يجاورها أي خطاب جمالي غير الشعر، حيث يمكن التقاط جملة من الآراء المتناقضة التي تعكس حيرة المثقف أمام خطاب جماهيري يغويه بالتماس معه من ناحية ويدفعه للترفع عليه من ناحية أخرى!».

الواقع أن الأديب محمد العباس يستحق التقدير على تماسه التنويري مع هذا الموضوع، فهو أحد الأسماء الأدبية الفاعلة، ومن القلة القليلة التي تطرقت لكرة القدم بأسلوب أدبي رفيع يقرأ كرة القدم بشكل مغاير، وله كتابات مذهلة في هذا السياق.. هذا يقودني للتساؤل عن الرؤية الحقيقية والعميقة لمثقفينا تجاه كرة القدم، هل لديهم هذا التناقض؟ وهل أسهم ذلك في تكريس التباعد الفكري وتغييب طرح الرياضة كمنجز حضاري؟.

هناك الكثير من الأسئلة التي لا تسمح بها المساحة، وددت لو ألقيها هنا على هامش معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يقام هذه الأيام وسط غياب مريع لكل الأندية الرياضية وللرياضيين عموما!!