ما بين الجاهلية والديمقراطية والقضاء

مصطفى الآغا

TT

ليس سرا أننا نعيش في أسوأ وأفضل عصور الإعلام الرياضي على الإطلاق.. طبعا معادلة قد تبدو عسيرة على الفهم والهضم في جمع النقيضين، أي الأسوأ والأفضل، في جملة واحدة، لكن الوقائع لا تقبل الدحض..

نعم نحن نعيش فورة إعلامية رياضية غير مسبوقة سببها التطور التكنولوجي الذي انعكس على كل مناحي الحياة، ومنها الرياضة.. فبعد أن كانت الرياضة في أي دولة عربية حكرا على برنامج أو اثنين يظهران على شاشات الحكومة، وبالتالي فمشاهدتهما مثل الزواج في بعض الأحيان كما يصفه البعض «شر لا بد منه»، ولم تكن هناك خيارات سوى الإذاعات.. الآن هناك عشرات القنوات الفضائية الحكومية والخاصة، وصارت الرياضة سلعة جاذبة، وبات لدينا كم هائل من المعدين والمقدمين والمخرجين والكتاب والمحللين حتى بات التحليل مهنة في حد ذاته، وباتت برامج الرياضة هي أحد مصادر الدخل الرئيسية لهذه المحطات، وباتت حقوق البطولات التي كانت مجانية تباع بالملايين.. لكن العرض والطلب لم ولن يعنيا أن كل المشتغلين في الوسط الرياضي مؤهلون كي يقفوا خلف الميكروفون، أو يوجهوا رأيا عاما سمته الأولى العاطفة الزائدة والشحن النفسي والانجرار وراء رأي متعصب قد يلبس لبوس العاشق للنادي أو الوطن.. وكم تمت المتاجرة باسم الأوطان لغايات شخصية وخاصة، وعلى المتلقي أن يفرق بين الحقيقي و«الفالصو».. وبما أن الحقوق باتت باهظة، وهناك من لا يستطيع دفعها، لهذا تحولت بعض القنوات لبرامج الـ«توك شو» التي لا تحتاج لأي جهد إنتاجي أو تقارير ميدانية، والـ«توك شو» كي يكون جاذبا عليه أن يكون مثيرا وصاخبا وصارخا كما حدث ويحدث مع شقيقه السياسي الذي ازدهر في فترة سابقة بسبب هذه الخاصية التي لم نتعود عليها في إعلام الحكومات الهادئ والمراقب والموجه..

البعض من زملائنا إذاعيا وتلفزيونيا وصحافيا انساقوا مع هذه الموجة زيادة عن اللزوم، وتخطوا حتى الخطوط الحمر، فشاهدنا صراعات وحوارات واشتباكات إعلامية بين أشخاص يمثلون فكرا متعصبا أو متحررا انتقلت رحاها للأندية، ثم انتقلت للدول، ووصلت إلى لغة «منحدرة»، وآسف لاستخدام هذه الكلمة لأنني لم أجد بديلا موضوعيا يعبر عن مدى إسفافها..

قلت سابقا إنني مع أن يكون القضاء هو الفيصل في الاتهامات التي يسوقها البعض للآخرين دون دليل، كاتهام حكم بالرشوة، أو لاعب بالتخاذل، أو رئيس ناد بشراء نتيجة أو ترتيبها، لأن الحرية تفترض المسؤولية، والمسؤولية تفترض الوعي وتفترض احترام حريات الآخرين، ولكن ماذا نقول عن السب والشتم العلنيين، وعن تحقير دولة أو أشخاص أو هيئات أو اتحادات، ومن هي الجهة التي ستحاسب؟!

الآن نسمع عن إيقاف برامج بقرارات قضائية، فدخلت الديمقراطية التي هي أساس العمل الإعلامي على المحك، وفي نفس الوقت دخلت المصداقية التي هي الأخرى أساس وديدن العمل الإعلامي على المحك، وصرنا نسمع عن دعاوى في المحاكم، وعن مبادرات عربية للمصالحة، وعن مواثيق شرف، وعن وعن وعن وعن.. ويبقى السؤال: من يدفع الثمن؟!!

لم أتمن يوما أن نصل لهذه المواصيل، وأتمنى من كل قلبي أن يتم تغليب صوت العقل وصوت المهنية على كل الأصوات النشاز التي استعرت ولم تجد من يطفئ لهيبها..