السقوط الأخير

محمود تراوري

TT

كان لافتا تصريح سامي الجابر، وهو في قمة التعقل والهدوء، لقناة «الجزيرة» عقب مباراة الهلال والاتحاد: «ما حدث من احتكاكات أمر عادي وعابر، والدليل هو الأحضان والتبريكات والقمصان التي تبادلها لاعبو الفريقين نهاية المباراة، وأتمنى من الإعلام عدم تصعيد الأمور».

كلام راشد وناضج، لم يستهو «المشجعين» الذين يكتبون في معظم الصحافة الرياضية، الذين لن يكون لهم أي حضور ما لم يعكروا صفو الرياضة ويعيثوا فسادا في جمالياتها ويكرسوا البغضاء والتعصب في جنباتها. كنت معنيا بمتابعتهم في اليومين الماضيين لمعرفة هل يمكن للصحافة أن ترتقي ولو لمرة لمستوى المسؤولية وتمارس «المهنة» وفق ما تقتضيه متطلباتها، وما يتماهى مع الدعوات والمبادرات الدولية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين للحوار والسمو به، لتحقيق التقارب والتسامح والتسامي وتجاوز الرغبات الصغيرة والضيقة. بيد أني لم أجد اختلافا عما مضى، من استمرار في السقوط، وتكريس لحالات الانقسام، إلى حد إشاعة الفتنة وتكريس الضغينة. فطرف غض النظر عن تصرف ياسر القحطاني غير الحكيم إزاء راشد الرهيب، وهنا كانت الشرارة، والطرف الآخر ماثله بغض النظر عن التصرف غير الحكيم أيضا لمحمد نور، وما تبع ذلك من خروج أهوج عن النص للروماني رادوي.

كنت أمني النفس «مهنيا» لو أن صحافيا ناقش كل ما حدث مع خبير في السيكولوجيا، لتحليل وتبرير ما حدث علميا وموضوعيا، ووضعه في أطره التحليلية كأحد مهام الصحافة الحقيقية.

غير أن تلك الأمنية صادرها التعصب من كلا الطرفين (أنصار الاتحاد وأنصار الهلال)، الطريف الموجع في كل القضية أن معظم الكتابات التي تناولت الواقعة، بدت كمن يغرد بعيدا عن سرب الأجيال الجديدة التي تسخر في محاضنها الجديدة «في الشبكة العنكبوتية» من هذه العقليات التي تعيش وتتعاطى مع الأحداث بأنماط تفكير قديمة وبائسة.

كل شيء كان واضحا عبر الشاشة، فلمَ تواصل بعض الأقلام السقوط بالتحريض والافتئات والانحياز الأخرق؟

يا له من سؤال مر يستوجب التوقف حياله مليا، فلربما يأتي يوم ينصلح فيه الحال، وتتفرغ الصحافة الرياضية للمهنة فقط، ولا شيء غير المهنة، بكل ضوابطها ومعاييرها وأخلاقياتها طبعا في المقام الأول.

أما الدوري، الذي أسدل الستار عليه، فما يلفت الانتباه إليه، الفارق النقطي الكبير بين فرقه بدءا من البطل ووصيفه، ثم الفوارق بين بقية الفرق، مما يشير إلى تباين مريع وتذبذب في المستويات، ناهيك عن عدم تقديم معظم فرق الدوري لأسماء جديدة واعدة ومبهرة إلا إذا اعتبرنا نواف العابد «بضآلة بنيته» أحد أبرز من ظهروا هذا الموسم، ويمكن إضافة مهند عسيري، من الوحدة، إليه. كما أن إصابة ويلهامسون تذكرنا بعدد من النجوم الذين غيبتهم الإصابة هذا الموسم عن الحضور ولعل في مقدمتهم لاعب الاتحاد الواعد نايف الهزازي وعبده عطيف وأحمد الموسى.