ربما تعلم بيليه

محمود تراوري

TT

لم يكن أحد يتخيل ولو للحظة خاطفة أن الفريق الأسطوري الذي ما زالت الأغلبية ترجح كفته لأن يكون أجمل من لعب كرة القدم في التاريخ، وكشف عن جمالياتها التي لا تمنح للمتابع سوى المتعة، ستفلت منه كأس العالم عام 1982.

قلت: يومها خرج الفنانون من طراز سقراط وفالكاو وجونيور وإيدر وزيكو وكارلوس شامخين عقب المباراة الميلودرامية، التي لم تخل من مواقف كوميديا فاقعة تجلت في محاولات زيكو الإفلات من المجزرة الثنائية لمتوسطي الدفاع شيريا وجنتيلي. إيطاليا تختلس التأهل لنصف النهائي كقط جبان، والبرازيل تغادر، من يومها ثبت بما يشبه اليقين أن التوقع في عالم الكرة أشبه بضرب الودع.

التوقع والتخمين في عالم الكرة فن يخضع لقوة الحدس، والقدرة على ربط المعطيات بعضها ببعض، والإلمام قدر الإمكان بداخل السياقات الفنية وتفاصيلها، وأشياء من هذا القبيل.

الملك بيليه واحد من أكثر الكرويين إخفاقا في توقعاته. فمن ينسى توقعاته المدوية قبيل مونديال أميركا 1994 حين رشح منتخب نيجيريا للمنافسة على الفوز بكأس العالم؟

صحيح أن ذلك الفريق الذهبي لنيجيريا كان لافتا ومميزا فنيا بنجومه الكبار من عينة رشيدي ياكيني المهاجم الدبابة الذي كاد اتحاد جدة يظفر بخدماته، وفنان الوسط أوكوشا الذي لن تنسى صفحات ذلك المونديال تصريحه الشهير «مارادونا هو الذي سيراقبني» حين سئل قبل لقائهم الافتتاحي مع الأرجنتين عن صحة تكليفه بمراقبة مارادونا كظله. ونضيف طبعا إليهما أموكاشي وإيمانويل وسياسيا، وبقية النجوم المساندين الذين مثلوا رعبا كرويا جديدا قادما من العالم الثالث الهزيل في أشيائه، الغارق في ملكوت الفساد على كل الصعد، والمفتقر للركائز الأساسية لمقومات حياة تليق بالعصر، مما دفع بيليه لذلك الترشيح دون التأمل في عمق أزمة كرة العالم الثالث، وفي مقدمتها النظر باتساع الأفق.

الآن يعود بيليه من جديد لممارسة لعبة لا يتقنها، فيستبعد الأرجنتين من المنافسة على نهائيات مونديال جنوب أفريقيا الصيف المقبل، مكتفيا بترشيح منتخبات البرازيل وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا، إضافة إلى تجنبه الإشارة إلى أي فريق من العالم الثالث خاصة أفريقيا التي كان من أشد المتحمسين لكرتها في عقد التسعينيات من القرن الماضي. متغافلا تماما إمكانيات منتخب غانا المتميز بشباب مشتعل وفق رؤية كثير من المراقبين الذين لا يترددون في ضمه لرهانات الحصان الأسود في البطولة التي تستضيفها القارة السوداء لأول مرة كأحد أهم تحديات تيار العولمة، فالرياضة، وكرة القدم بالذات، باتت رقما صعبا في معادلة الاقتصاد العالمي وزمن الشركات عابرة القارات متعددة الجنسيات، وكلكم يدرك هذا.

ربما يكون بيليه تعلم من الدرس القديم، وربما تكون العاطفة هي التي دفعته لاستبعاد الأرجنتين، ربما وربما، لكن المؤكد الآن أن التوقع في عالم الكرة بات أمرا لا يعتد به، فالفيصل دائما هو ما يدور داخل جنبات العشب الأخضر، أو هكذا أظن.